السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ} (28)

فلما قال ذلك عدل موسى عليه السلام إلى طريق ثالث أوضح من الثاني بأن { قال رب المشرق والمغرب } أي : الشروق والغروب ووقتهما وموضعهما { وما بينهما } من المخلوقات لأنّ التدبير المستمرّ على هذا الوجه العجيب لا يتمّ إلا بتدبير مدبر قادر ، وهذا بعينه طريقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع نمروذ ، فإنه استدل أولاً بالإحياء والإماتة وهو الذي ذكر موسى عليه الصلاة السلام بقوله : { ربكم ورب آبائكم الأولين } فأجابه نمروذ { أنا أحيي وأميت } ( البقرة : 258 ) فقال { فإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبُهت الذي كفر } ( البقرة : 258 ) وهو الذي ذكره موسى عليه السلام بقوله : { رب المشرق والمغرب } وأما قوله : { إن كنتم تعقلون } فكأنه عليه السلام قال إن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت لك ، لأنك طلبت مني تعريف حقيقته ولا يمكن تعريف حقيقته بنفس حقيقته ولا بأجزاء حقيقته ، فلم يبق إلا أن أعرف حقيقته بآثار حقيقته ، وقد عرفت حقيقته بآثار حقيقته فمن كان عاقلاً يقطع بأنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرته لك .