المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

13- وطبَّعه الله على الحنان ، وسمو النفس ، ونشَّأه على التقوى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

وآتاه الحنان هبة لدنية لا يتكلفه ولا يتعلمه ؛ إنما هو مطبوع عليه ومطبوع به . والحنان صفة ضرورية للنبي المكلف رعاية القلوب والنفوس ، وتألفها واجتذابها إلى الخير في رفق .

وآتاه الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع ؛ يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس ، فيطهرها ويزكيها .

( وكان تقيا )موصولا بالله ، متحرجا معه ، مراقبا له ، يخشاه ويستشعر رقابته عليه في سره ونجواه .

/خ13

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

{ وحنانا من لدنا } ورحمة منا عليه وتعطفا في قلبه على أبويه وغيرهما عطف على الحكم . { وزكاة } وطهارة من الذنوب أو صدقة أي تصدق الله به على أبويه أو مكنه ووفقه للتصديق على الناس . { وكان تقيا } مطيعا متجنبا عن المعاصي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

وقوله { وحناناً } عطف على قوله { الحكم } { وزكاة } عطف عليه ، أعمل في جميع ذلك { آتيناه } ، ويجوز أن يكون قوله { وحناناً } عطفاً على قوله { صبياً } ، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين ، وهو تفسير اللغة . وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك ، فقيل هما لغتان بمعنى واحد ، وقيل حنانيك تثنية الحنان ، وقال عطاء بن أبي رباح { حناناً من لدنا } بمعنى تعظيماً من لدنا . والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى ، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح «والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً » . وقد روي عن ابن عباس أنه قال «والله ما أدري ما الحنان » . و «الزكاة » التطهير والتنمية في وجود الخير والبر . و «التقي » من تقوى الله عز وجل ، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء » {[7923]} وقال قتادة : إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة ، وقال مجاهد : كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس : [ الوافر ]

وتمنحها بنو شمجى بن جرم . . . معيزهمُ حنانك ذا الحنان{[7924]}

وقال النابغة : [ الطويل ]

أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا . . . حنانيك بعض الشر أهون من بعض{[7925]}

وقال الآخر : [ منذر بن إبراهيم الكلبي ] [ الطويل ]

فقالت حنان ما أتى بك هاهنا . . . أذو نسب أم أنت بالحي عارف{[7926]}


[7923]:أخرجه ابن إسحق، وابن أبي حاتم، والحاكم، عن عمرو بن العاص. وأخرج نحوه أحمد، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والحاكم، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرج نحوه عبد الرزاق، وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، وبنفس السند عن قتادة رفع الخبر الذي ذكره ابن عطية بعد ذلك عن قتادة، عن الحسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[7924]:البيت في الديوان، وفي اللسان والتاج (حنن)، ومختار الشعر الجاهلي، والطبري والقرطبي، والبحر المحيط، وهو واحد من ثلاثة أبيات قالها امرؤ القيس في وصف الزمان وتقلبه، وفي الشكوى من بني شمجى بن جرم، وكان في غاية الألم منهم والزراية عليهم، وقبله يقول: مجاورة بني شمجى بن جرم هوانا ما أتيح من الهوان وقوله: (ويمنحها) هي رواية الأصمعي، أما رواية ابن الأعرابي فهي (ويمنعها)، والمعنى على رواية الأصمعي: يعطيها، وفسر قوله: (حنانك ذا الحنان) فقال: رحمتك يا رحمن، أي: أنزل عليهم رحمتك ورزقك، أما رواية ابن الأعرابي وهي التي في الديوان وفي اللسان والتاج فقد فسرها بقوله: (حنانك ذا الحنان) معناه: رحمتك يا رحمن، فأغنني عنهم، قال صاحب اللسان: "فرواية ابن الأعرابي تسخط وذم ـ، وكذلك تفسيره، ورواية الأصمعي تشكر وحمد ودعاء لهم، وكذلك تفسيره". ونقطع بأن رواية ابن الأعرابي هي الأصح لأنها تتفق في المعنى مع الأبيات السابقة التي جعلت جيرة بني شمجى بن جرم لامرىء القيس وقومه هوانا ما أتيح من قبل.
[7925]:البيت لطرفة بن العبد لا للنابغة، ولعل الخطأ من النساخ، وهو في الديوان واحد من ثمانية أبيات نسبت إلى طرفة، وقيل إنه أنشدها وهو في السجن يخاطب عمرو بن هند، والبيت أيضا في (مجاز القرآن)، و (الكتاب)، و (الكامل)، و (الطبري)، و (الجمهرة)ن و (القرطبي)، و (الشنتمري)، و (البحر المحيط)، وفي اللسان، والتاج (حنن)، وفي (الهمع) و (ابن يعيش)، ويستشهد به النحويون على أن (حنانيك) نصبت على المصدر النائب عن الفعلن وقد ثني (حنانيك) لإرادة التكثير؛ لأن التثنية أول مراتب التكثير، وأبو منذر هو عمرو بن هند، وقد اشتهرت قصة طرفة مع هذا الملك، والنصف الثاني من البيت مثل يضرب عند ظهور شرين أحدهما أقسى من الثاني.
[7926]:البيت للمنذر بن درهم الكلبي، قال ذلك في خزانة الأدب وفي معجم البلدان، وهو من شواهد سيبويه في الكتاب على أن (حنان) رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أمرنا حنان، قال: "لم ترد: تحنن، ولكنها قالت: أمرنا حنان، أو ما يصيبنا حنان"، والحنان: الرحمة والتحنن بالعطف والمودة والرقة. والبيت في اللسان، والتاج (حنن)، وفي (الكامل)، و (ابن يعيش)، وهي تسأله عن سبب مجيئه، هل جاء لأن له قرابة أم لأنه يعرف الحي وأهله؟ وقد قالت ذلك حين فاجأها فأنكرته أو تظاهرت بأنها لا تعرفه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

الحَنان : الشفقة . ومن صفات الله تعالى الحنان . ومن كلام العرب : حنانيك ، أي حناناً منك بعد حنان . وجُعل حنان يحيى من لَدن الله إشارة إلى أنه متجاوز المعتاد بين الناس .

والزكاة : زكاة النفس ونقاؤها من الخبائث ، كما في قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تزكى } [ النازعات : 18 ] أو أُريد بها البركة .

وتقي : فعيل بمعنى مُفعل ، من اتّقى إذا اتّصف بالتقوى ، وهي تجنب ما يخالف الدّين . وجيء في وصفه بالتقوى بفعل { كَانَ تَقِيّاً } للدلالة على تمكنه من الوصف .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَحَنانا مِنْ لَدُنّا" يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان؛

فقال بعضهم: معناه: الرحمة، ووجهوا الكلام إلى نحو المعنى الذي وجهناه إليه...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ورحمة من عندنا لزكريا، آتيناه الحكم صبيا، وفعلنا به الذي فعلنا...

وقال آخرون: معنى ذلك: وتعطفا من عندنا عليه، فعلنا ذلك...

وقال آخرون: بل معنى الحنان: المحبة. ووجهوا معنى الكلام إلى: ومحبة من عندنا فعلنا ذلك...

وقال آخرون معناه: تعظيما منا له...

وأصل ذلك أعني الحنان، من قول القائل: حنّ فلان إلى كذا، وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال: تحّننَ فلان على فلان، إذا وصف بالتعطّف عليه والرقة به، والرحمة له...

وقوله: "وَزَكَاةً "يقول تعالى ذكره: وآتينا يحيى الحكم صبيا، وزكاة: وهو الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه، فالزكاة عطف على الحكم من قوله: "وآتَيْناهُ الحُكْمَ"... عن ابن جريج، قوله: وزَكاةً قال: العمل الصالح الزكيّ...

وقوله: "وكانَ تَقِيّا" يقول تعالى ذكره: وكان لله خائفا مؤدّيا فرائضه، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته... عن ابن عباس "وَزَكاةً وكانَ تَقِيّا" قال: طهر فلم يعمل بذنب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... وجائز أن تكون الزكاة اسم كل خير وبركة، وهو كالبر والتقوى. كأنه قال: أعطيناه كل بر وخير...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَكَانَ تَقِيّاً}: مسلماً مخلصاً مطيعاً.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

... زكيناه بحسن الثناء كما يزكي الشهود إنساناً.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي آتيناه رحمةً من عندنا، وطهارةً وتوفيقاً لمجلوبات التقوى وتحقيقاً لموهوباتها؛ فإن التقوى على قسمين: مجموع ومجلوب يتوصَّلُ إليه العبدُ بِتَكَلُّفِه وتَعَلُّمِه، وموضوعٍ من الله تعالى وموهوبٍ منه يصلُ إليه العبدُ بِبَذْله سبحانه وبفضله...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(وكان تقيا). وصفه بالتقوى؛ لأنه لم يذنب، ولم يهم بذنب..

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والحنان: الرحمة والشفقة والمحبة، قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس... والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح «والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً»...

وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وحنانا من لدنا} أي إنما آتيناه الحكم صبيا حنانا من لدنا عليه، أي رحمة عليه وزكاة أي وتزكية له وتشريفا له.

الثاني: أن يكون الحنان من الله تعالى لزكريا عليه السلام فكأنه تعالى قال: إنما استجبنا لزكريا دعوته بأن أعطيناه ولدا ثم آتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا عليه أي على زكريا فعلنا ذلك. {وزكاة} أي وتزكية له عن أن يصير مردود الدعاء. والثالث: أن يكون الحنان من الله تعالى لأمة يحيى عليه السلام كأنه تعالى قال: {واتيناه الحكم صبيا وحنانا} منا على أمته لعظيم انتفاعهم بهدايته وإرشاده.

أما إذا جعلناه صفة ليحيى عليه السلام ففيه وجوه؛

الأول: آتيناه الحكم والحنان على عبادنا أي التعطف عليهم وحسن النظر على كافتهم فيما أوليه من الحكم عليهم كما وصف نبيه فقال: {فبما رحمة من الله لنت لهم} وقال: {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} ثم أخبر تعالى أنه آتاه زكاة، ومعناه أن لا تكون شفقته داعية له إلى الإخلال بالواجب لأن الرأفة واللين ربما أورثا ترك الواجب ألا ترى إلى قوله تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وقال: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} وقال: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} فالمعنى إنما جعلنا له التعطف على عباد الله مع الطهارة عن الإخلال بالواجبات، ويحتمل آتيناه التعطف على الخلق والطهارة عن المعاصي فلم يعص ولم يهم بمعصية، وفي الآية وجه آخر وهو المنقول عن عطاء بن أبي رباح: {وحنانا من لدنا} والمعنى آتيناه الحكم صبيا تعظيما إذ جعلناه نبيا وهو صبي ولا تعظيم أكثر من هذا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{و} آتيناه {حناناً} أي رحمة وهيبة ووقاراً ورقة قلب ورزقاً وبركة {من لدنا} من مستقرب المستغرب من عظمتنا بلا واسطة تعليم ولا تجربة {وزكاة} أي طهارة في نيته تفيض على أفعاله وأقواله {وكان} أي جبلة وطبعاً {تقياً} خوافاً لله تعالى.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

... أي وآتيناه رحمة عظيمة عليه كائنة من جنابنا وهذا أبلغ من ورحمنا. وقيل: المراد وآتيناه رحمة في قلبه وشفقة على أبويه وغيرهما، وفائدة الوصف على هذا الإشارة إلى أن ذلك كان مرضياً لله عز وجل فإن من الرحمة والشفقة ما هو غير مقبول كالذي يؤدي إلى ترك شيء من حقوق الله سبحانه كالحدود مثلاً أو الإشارة إلى أن تلك الرحمة زائدة على ما في جبلة غيره عليه السلام لأن ما يهبه العظيم عظيم. وأورد على هذا أن الإفراط مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها. ورد بأن مقام المدح يقتضي ذلك. ورب إفراط يحمد من شخص ويذم من آخر...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

آتاه الحنان هبة لدنية لا يتكلفه ولا يتعلمه؛ إنما هو مطبوع عليه ومطبوع به. والحنان صفة ضرورية للنبي المكلف رعاية القلوب والنفوس، وتألفها واجتذابها إلى الخير في رفق. وآتاه الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع؛ يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس، فيطهرها ويزكيها. (وكان تقيا) موصولا بالله، متحرجا معه، مراقبا له، يخشاه ويستشعر رقابته عليه في سره ونجواه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... وجيء في وصفه بالتقوى بفعل {كَانَ تَقِيّاً} للدلالة على تمكنه من الوصف.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وقد ذكر الله سبحانه ما حلاه من صفات بشرية هي صفات البشر الكامل فقال تعالى: {وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا}. ذكر الله تعالى ثلاث صفات هي صفات الكمال لإنسان يعيش في وسط مجتمع يغذيه بماله وعاطفته، ويجنب عنه السوء. الصفة الأولى: ذكرها الله تعالى بقوله: {وحنانا}، والحنان الشفقة والرأفة والرفق في معاملة الناس، والفيض عليهم من حبه، والحدب عليهم، والواو عاطفة على {وآتيناه الحكم صبيا}، فذلك بدا فيه منذ كان صبيا، وهو ما أودعه الله تعالى في فطرته، ولذا قال: {من لدنا}، أي أن الله تعالى أعطاه تلك الصفة منه لا بتربية ولا تعليم فهو مهدى حنون شفيق بمقتضى تكوينه الفطري.

والصفة الثانية: الطهارة وذكرها الله تعالى بقوله: {وزكاة}، أي طهارة، وهي طهارة إيجابية فهو طاهر في نفسه، ويفيض بطهارته على غيره، ولذا نقول: إن (زكاة) تتضمن طهارة النفس، والفيض على قومه بالصدقات، فتكون طهارة لذاته وطهارة لمجتمعه من الموبقات، فإن الزكاة طهارة للمجتمع.

والصفة الثالثة: التقوى وقد قال تعالى {وكان تقيا}، أي كانت نفسه مملوءة بالتقوى وهي خوف الله تعالى، وخوف الشر لقومه، فكان نبيا، وكان إنسانا كاملا سوى الخلق والنفس، وتحققت فيه أمنية أبيه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهذا ما يريده الله لعباده، في ما يعدّه لهم من مواقع الكرامة، ومنطلقات الهداية بالأسباب المألوفة أو غير المألوفة. ولم تكن معرفة يحيى للحكم هي كل ما كان يملكه هذا العبد الصالح الداعية، بل كانت شخصيته جامعة لكل صفات الكمال، {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} بما أفاضه الله عليه من روحية الحنان الإلهي الذي يغمر قلبه بالخير والرحمة، فينسكب على حياة الناس رأفةً، وعطفاً، ورحمةً، ومحبة، فلا يعنف بهم، ولا يقسو عليهم، ولا يحملهم ما لا يطيقون، في ما يحملهم من مسؤوليات، ويدعوهم إليه من قضايا، ويقودهم إليه من مواقف... ولعل هذا أقرب إلى الفهم في موقعه الرسالي الذي تلتقي فيه الرسالة بالحكم. وربما فسره بعضهم بأنه نوع عطفٍ وانجذابٍ خاصٍ إلهيّ بينه وبين ربه غير مألوف، وذلك نظراً إلى تقييد الحنان بقوله {مِّن لَّدُنَّا}، إذ إنها تستعمل في ما لا مجرى أو نظر فيه بالنسبة للأسباب الطبيعية العادية. ولكننا لا نجد في الكلمة مثل هذا الإيحاء، بل يكفي في صحة النسبة إلى الله أن يكون العمل صادراً منه بإرادته بشكل أو بآخر، وربما تكون دلالتها على جانب الرعاية منه أكثر من دلالتها على الجانب غير العادي من ذلك. والله العالم. {وَزَكَاةً} في ما يتكامل فيه من عناصر النموّ والبركة والطهارة، أو في ما يغدقه على الناس من ذلك كله. {وَكَانَ تَقِيًّا} يعيش الخوف من الله والإحساس بمراقبته، والالتزام بأوامره ونواهيه، في ما تحمله التقوى من وعي الخط الرسالي، وإصرار على تحريك الموقف ضمن ذاك الخط. وبذلك كان دوره دور القدوة التي توجه الناس بالممارسة، كما توجههم بالدعوة.