فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

{ وحنانا } معطوف على الحكم ، قال جمهور المفسرين : الحنان الرحمة والرقة والشفقة ، العطف والمحبة وأصله توقان النفس مأخوذ من حنين الناقة على ولدها قال : يقول حنانك يا رب وحنانيك يا رب معنى واحد يرد رحمتك ، قال إن الأول الحنان مشددا من صفات الله عز وجل ، محققا للعطف والرحمة والحنان التوق والبركة .

قال ابن عطية : والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل : والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا ، يعني بلالا لما مر به وهو يعذب ، وقيل إن القائل لذلك هو ورقة ابن نوفل ، قال الأزهري : معنى ذلك لأترحمن عليه ولأعطفن عليه لأنه من أهل الجنة .

ومعنى { من لدنا } من عندنا ومن جنابنا ، وقيل المعنى أعطيناه رحمة من لدنا ، كائنة في قلبه ، يتحنن بها على الناس ، ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر ، قال ابن عباس في { حنانا } لا أدري ما هو إلا أني أظنه يعطف الله على عبده بالرحمة ، وقد فسرها جماعة من السلف بالرحمة كما مر ، ومنه قول الشاعر :

وعسير بلاء حاق به ويسير حنانك يدفعه

{ وزكاة } معطوف على ما قبله ، والزكاة التطهير والبركة والتنمية والبر أي جعلناه مباركا للناس يهديهم إلى الخير ، وقيل زكيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود ، وقيل صدقة تصدقنا بها على أبويه قاله ابن قتيبة ، وقيل تصدقا على الناس أي أعطيناه توفيقا للتصدق عليهم وقيل يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص ، وقيل : هي العمل الصالح ، فلم يعمد بذنب .

{ وكان تقيا } قال ابن عباس : طهر فلم يأتي بذنب أي متجنبا لمعاصي الله سبحانه مطيعا له بطبعه ، وقد روي أنه لم يعمل معصية ولم يهم بها قط ، ومن جملة تقواه أنه كان يتقوت بالعشب ، وكان كثير البكاء فكان لدمعه مجار على خده .