فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا} (13)

{ وَحَنَانًا مّن لَدُنَا } معطوف على الحكم . قال جمهور المفسرين : الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة ، وأصله توقان النفس ، مأخوذ من حنين الناقة على ولدها . قال أبو عبيدة : تقول حنانك يا ربّ ، وحنانيك يا ربّ ، بمعنى واحد ، يريد : رحمتك ، قال طرفة :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا *** حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض

وقال امرؤ القيس :

ويمنحها بنو سلخ بن بكر *** معيزهم حنانك ذا الحنان

قال ابن الأعرابي : الحنان مشدّداً من صفات الله عزّ وجلّ ، والحنان مخففاً : العطف والرحمة . والحنان : الرزق والبركة . قال ابن عطية : والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله ، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل : والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً ، يعني : بلالاً ، لما مرَّ به وهو يعذب . وقيل : إن القائل لذلك هو ورقة بن نوفل . قال الأزهري : معنى ذلك لأترحمنّ عليه ، ولأتعطفنّ عليه لأنه من أهل الجنة ، ومثله قول الحطيئة :

تحنن عليّ هداك المليك *** فإن لكل مقام مقالا

ومعنى { مّن لَدُنَّا } من جنابنا . قيل : ويجوز أن يكون المعنى : أعطيناه رحمة من لدنا كائنة في قلبه يتحنن بها على الناس ، ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر { وزكاة } معطوف على ما قبله ، والزكاة التطهير والبركة والتنمية والبرّ ، أي جعلناه مباركاً للناس يهديهم إلى الخير ؛ وقيل : زكيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود وقيل : صدقة تصدقنا به على أبويه قاله ابن قتيبة { وَكَانَ تَقِيّا } أي متجنباً لمعاصي الله مطيعاً له . وقد روي أنه لم يعمل معصية قط .

/خ15