وبعد عرض الآية والإنذار بالعاقبة ، يأخذ صالح في النصح لقومه بالتدبر والتذكر ، والنظر في مصائر الغابرين ، والشكر على نعمة الاستخلاف بعد هؤلاء الغابرين :
( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ، وبوأكم في الأرض ، تتخذون من سهولها قصوراً ، وتنحتون الجبال بيوتاً . فاذكروا آلاء الله ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) .
ولا يذكر السياق هنا أين كان موطن ثمود ، ولكنه يذكر في سورة أخرى أنهم كانوا في الحجر - وهي بين الحجاز والشام . . ونلمح من تذكير صالح لهم ، أثر النعمة والتمكين في الأرض لثمود ، كما نلمح طبيعة المكان الذي كانوا يعيشون فيه . فهو سهل وجبل ، وقد كانوا يتخذون في السهل القصور ، وينحتون في الجبال البيوت . فهي حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير . . وصالح يذكرهم استخلاف الله لهم من بعد عاد ، وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها ، ولكن يبدو أنهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارة عاد ، وأن سلطانهم امتد خارج الحجر أيضا . وبذلك صاروا خلفاء ممكنين في الأرض ، محكمين فيها . وهو ينهاهم عن الانطلاق في الأرض بالفساد ، اغتراراً بالقوة والتمكين ، وأمامهم العبرة ماثلة في عاد الغابرين !
{ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض } أرض الحجر . { تتخذون من سهولها قصورا } أي تبنون في سهولها ، أو من سهولة الأرض بما تعملون منها كاللبن والآجر . { وتنحتون الجبال بيوتا } وقرئ { تنحتون } بالفتح وتنحاتون بالإشباع ، وانتصاب { بيوتا } على الحال المقدرة أو المفعول على أن التقدير بيوتا من الجبال ، أو تنحتون بمعنى تتخذون { فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } .
{ بوأكم } معناه مكنكم ، وهي مستعملة في المكان وظروفه ، تقول تبوأ فلان منزلاً حسناً ، ومنه قوله تعالى { تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال } وقال الأعشى : [ الطويل ]
فما بَّوأ الرحمان بيتك منزلاً*** بشرقيّ أجيادِ الصَّفا والمحرمِ
و «القصور » : جمع قصر وهي الدور التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت عن الناس قصراً تاماً ، و «النحت » النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تنحَتون » بفتح الحاء ، وقرأ جمهور الناس : بكسرها وبالتاء من فوق ، وقرأ ابن مصرف : بالياء من أسفل وكسر الحاء ، وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء ، وكانوا «ينحِتون » الجبال لطول أعمارهم ، و { تعثوا } معناه تفسدوا يقال : عثا يعثي وعثا يعثو وعثى يعثى كنسى ينسى وعليها لفظ الآية ، وقرأ الأعمش «تِعثوا » بكسر التاء و { مفسدين } : حال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.