فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ عَادٖ وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (74)

{ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعتوا في الأرض مفسدين 74 } .

{ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } أي استخلفكم في الأرض أو جعلكم فيها كما تقدم في قصة هود { وبوأكم في الأرض } أي جعل لكم فيها مباءة وهي المنزل الذي تسكنونه أي أسكنكم وأنزلكم في أرض الحجر بكسر الحاء { تتخذون من سهولها قصورا } أي من سهولة الأرض وهي ترابها تتخذون منه اللبن والآجر ونحو ذلك فتبنون به القصور ، وإنما سميت بذلك لقصور الفقراء عن تحصيلها وحبسهم عن نيلها .

{ وتنحتون } أي تشقون والنحت نجر الشيء الصلب ، وفي القاموس نحته ينحته براه والنحاتة البراية والمنحت ما ينحت به { الجبال بيوتا } تسكنون فيها ، وقد كانوا لقوتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الصخور فيتخذون فيها كهوفا يسكنون فيها ، لأن الأبنية والسقوف كانت تفنى قبل فناء أعمارهم ، قال الضحاك : كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذا كان قوم هود ، وقيل كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء ، وهذا يدل على أنهم كانوا متنعمين مترفهين{[767]} .

{ فاذكروا آلاء الله } عليكم واشكروه عليها { ولا تعتوا في الأرض مفسدين } العثي والعثو لغتان ، قال قتادة معناه لا تفسدوا والعثو : أشد الفساد ، وقيل أراد به عقر الناقة ، وقيل هو على ظاهره فيدخل فيه النهي عن جميع أنواع الفساد ، وقد تقدم تحقيقه في البقرة بما غنى عن الإعادة .


[767]:قال وهب بن منبه كان الرجل منهم يبني البنيان. فتمر عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده وهكذا حتى اتخذوا من الجبال بيوتا.