قيل : لمَّا أهلك الله - تعالى - عاد عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وعمّروا أعماراً طوالاً .
قوله : { وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرض } بوَّأه : أنزله منزلاً ، والمباءَةُ المنزل ، وتقدَّمت هذه المادة في " آل عمران " {[16435]} ، وهو يتعدى لاثنين ، فالثَّاني محذوف أي : بوَّأكم منازل .
و " فِي الأرْضِ " متعلّق بالفِعْلِ ، وذكرت ليبنى عليها ما يأتي بعدها من قوله : " تَتَّخِذُونَ " .
قوله : " تَتَّخِذُونَ " يجوز أن تكون المُتَعدية لواحد فيكون من سهولها متعلقاً بالاتخاذ ، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من قصوراً إذ هو في الأصل صِفَةٌ لها لو تَأخَّر ، بمعنى أنَّ مادة القُصُور من سهل الأرض كالطّين واللّبن والآجر كقوله : { واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ } [ الأعراف : 148 ] [ أي مادته من الحلي ]{[16436]} .
وقيل : " مِنْ " بمعنى " في " . وفي التَّفسير أنَّهُم كانوا يسكنون في القُصُورِ صَيْفاً ، وفي الجبال شِتَاء ، وأن تكون المتعدية لاثنين ثانيهما " مِنْ سُهُولِهَا " والسهلُ من الأرض ما لان وسهل الانتفاع به ضد الحزن ، والسهولة : التّيسير .
قوله : " قُصُوراً " [ والقصور هو جمع قصر ]{[16437]} وهو البيت المُنِيفُ ، سُمِّي بذلك لقصور النَّاس عن الارتقاء إليه ، أو لأن عامة النَّاس يقصرون عن بناء مثله بخلاف خواصهم ، أو لأنَّهُ يقتصر به على بقعة من الأرض ، بخلاف بيوت الشّعر والعُمُد ، فإنَّهَا لا يقتصر بها على بقعة مخصوصة لارتحال أهلها ؛ أو لأنَّه يقصر من فيه أي : يحبسه ، ومنه : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام } [ الرحمن : 72 ] .
قوله : { وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتاً } يجُوزُ أن يكون نصب " الجِبَالَ " على إسْقَاطِ الخافض أي : من الجبال ، كقوله : { واختار موسى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] ، فتكون " بُيُوتاً " مفعوله .
ويجوز أن يُضَمَّن " تَنْحِتُونَ " معنى ما يتعدَّى لاثنين أي وتتخذون الجبال بُيُوتاً بالنحت أو تصيرونَها . [ بيوتاً بالنَّحت .
ويجوز أن تكون " الجبَالَ " هو المفعول به و " بُيُوتاً " حال مقدرة كقولك : خِطْ هذا الثَّوب جبة [ وابْرِ هذه القصبة قلماً ؛ وذلك لأن الجبال لا تكون بيتاً في حال النحت ، ولا الثوب ولا القصبة قميصاً وقلما في حالة الخياطة والبري ]{[16438]} ، أي : مُقَدّراً له كذلك ]{[16439]} و " بُيُوتاً " وإن لم تكن مشتقة فإنَّهَا في معناه أي : مسكونة .
وقرأ الحسنُ{[16440]} : " تَنْحَتُون " بفتح الحاء . وزاد الزَّمَخْشَرِيُّ أنه قرأ{[16441]} " تنحاتُونَ " بإشباع الفتحة [ ألفاً ] ، وأنشد : [ الكامل ]
يَنْبَاعُ مِنْ ذْفَرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ *** . . . {[16442]}
وقرأ يحيى{[16443]} بن مصرف وأبو مالكٍ بالياء من أسفل على الالتفات إلا أن أبا مالك فتح الحاء كقراءة الحسنِ .
والنَّحتُ : النَّجر في شيء صُلب كالحجر والخشبِ .
أمَّا النَّهَارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسلَةٍ *** واللَّيْلُ فِي بَطْنِ مَنْحُوتٍ مِن السَّاجِ{[16444]}
قال القُرْطُبِي{[16445]} : استدلَّ بهذه الية من أجاز جواز البناء الرفيع كالقُصُور ونحوها ، وبقوله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق } [ الأعراف : 32 ] . وبقوله عليه الصَّلاة والسلام : " إنَّ الله إذَا أنْعَمَ على عَبْدٍ نِعْمَةً يُحِبُّ أنْ يُرَى أثَرُ النِّعْمَةِ عليْهِ {[16446]} "
ومن آثار النعمة البناء الحسن ، والثياب الحسنة ، ألا ترى أنه لو اشترى جارية جميلة بمال عظيم ، فإنَّهُ يجوز ، وقد يكفيه دون ذلك ، فكذلك البناء ، وكرهه الحسن وغيره لقوله عليه الصَّلاة والسلام : " إذا أرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ سُوءاً أهْلَكَ مَالَهُ فِي الطِّيْنِ واللَّبنِ "
وقوله عليه الصلاة والسلام : " مَن بَنَى فوق مَا يَكْفِيْهِ جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ على عُنْقِهِ {[16447]} " ]{[16448]}
قوله : { فاذكروا آلاءَ الله } أي نعم الله عليكم .
{ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض } قرأ{[16449]} الأعمش بكسر حرف المضارعة وقد تقدم أن ذلك لغة .
و " مُفْسِدِيْنَ " حال مؤكدة إذ معناها مفهوم من عَامِلِهَا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.