172- لقد أبحنا للناس كل حلال{[9]} خلقناه لهم في الأرض ، ونهيناهم أن يتبعوا خطوات الشيطان ، فإنْ فعلوا اهتدوا ، وإن أبوا فإنا نخص المؤمنين بهدايتنا ونبيِّن الحلال والحرام ، في أيها الذين آمنوا أبيح لكم أن تأكلوا من لذيذ الطعام الطيب غير الخبيث ، فاشكروا الله على ما أولاكم من نعمة التمكين من الطيبات وإباحتها ، ومن نعمة الطاعة والامتثال لأمره لتتم عبادتكم .
وهنا يتجه بالحديث - خاصة - إلى الذين آمنوا . يبيح لهم الأكل من طيبات ما رزقهم . ويوجههم إلى شكر المنعم على نعمه . ويبين لهم ما حرم عليهم ، وهو غير الطيبات التي أباحها لهم . ويندد بالذين يجادلونهم في هذه الطيبات والمحرمات من اليهود . وهي عندهم في كتابهم :
( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ، واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون . إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله . فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . إن الله غفور رحيم . إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ! ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ، وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) . .
إن الله ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه ، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع ؛ وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام . ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق ، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم ؛ فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيبا من الطيبات ، وأنه إذا حرم عليهم شيئا فلأنه غير طيب ، لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم - وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء - ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك . فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد . . كل أولئك في آية واحدة قليلة الكلمات :
( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بالأكل من طَيبات ما رزقهم تعالى ، وأن يشكروه على ذلك ، إن كانوا عبيده ، والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة ، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولَ الدعاء والعبادة ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد :
حدثنا أبو النضر ، حدثنا الفُضَيل بن مرزوق ، عن عدَيِّ بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون : 51 ] وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ثم ذكر الرجل يطيلُ السفر أشعث أغبر ، يمدُّ يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك " .
ورواه مسلم في صحيحه ، والترمذي من حديث [ فضيل ]{[3056]} بن مرزوق{[3057]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للّهِ إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : يا أَيّها الّذِينَ آمَنُوا يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، وأقرّوا لله بالعبودية ، وأذعنوا له بالطاعة . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا يقول : صدّقوا .
كُلُوا مِنْ طَيّبات ما رَزَقْناكُمْ يعني : أطْعَموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم ، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرّمون أنتم ولم أكن حرّمته عليكم من المطاعم والمشارب . وَاشْكُرُوا للّهِ يقول : وأثنوا على الله بما هو أهله منكم على النعم التي رزقكم وطيبها لكم ، إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ يقول : إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين ، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم ، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان .
وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرّمونه من المطاعم ، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه ، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان واتباعا لأهل الكفر منهم بالله من الاَباء والأسلاف . ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرّم عليهم ، وفصل لهم مفسرا .
{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } لما وسع الأمر على الناس كافة وأباح لهم ما في الأرض سوء ما حرم عليهم ، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها فقال : { واشكروا لله } على ما رزقكم وأحل لكم . { إن كنتم إياه تعبدون } إن صح أنكم تخصونه بالعبادة ، وتقرون أنه مولى النعم ، فإن عبادته تعالى لا تتم إلا بالشكر . فالمعلق بفعل العبادة هو الأمر بالشكر لإتمامه ، وهو عدم عند عدمه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى : إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.