تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

الآية 172 وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) [ [ يتوجه وجهين :

أحدهما : الإذن في الأكل ما تستطيبه النفس [ وتتلذذ به ]{[1958]} به ليكون أرضى وأشكر لله فيما أنعم عليه .

والثاني{[1959]} : على إرادة الحلال [ بقوله : ( طيبات ) ]{[1960]} ، فيكون في الآية دليل كون الرزق{[1961]} حلالا وحراما ؛ إذ قال : ( من ) ذا ، ولم يقل : كلوا ذا ، ولو كان كل الرزق حلالا لكان يقول : كلوا مما رزقناكم ، والله أعلم .

ثم حق المحنة التمكين مما يحرم ، ويحل ، ومما ترغب إليه النفس ، وتزهد . فجائز جميع ذلك كله في الملك وفي الرزق ليمكن من الأمرين بالمحنة ، إذ ذلك حق المحنة ، والله الموفق ] ]{[1962]} .

وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ؛ يدل{[1963]} على أن الذي كان لهم الأكل ، وأمرهم بالتناول منه ، هو الحل . ثم فيه الدليل على أن من الرزق ما هو طيب حلال ، وما هو خبيث حرام ؛ إذ لو لم يكن منه [ طيب وخبيث ]{[1964]} لكان لا يشترط فيه ذكر الطيب ، بل يقول : كلوا مما رزقناكم .

فإن قيل : فما وجه الحكمة في الامتحان بجعل الخبيث رزقا لهم ؟ قيل : هذا أصل{[1965]} المحنة في كل شيء : يجعل لهم الغذاء ، فما يأمرهم بالامتناع عنه ، ويجعل لهم قضاء الشهوة في المحرم ، يأمرهم بالكف عنه ، وهو في الظاهر من المحن .

وقوله : ( واشكروا لله ) على ما أباح لكم من الطيبات ، [ وقوله ]{[1966]} : ( إن كنتم إياه تعبدون ) : [ أي إن كنتم ترون منه ذلك ، ويحتمل : ( إن كنتم إياه تعبدون ) ]{[1967]} : أي إياه توحدون ، ويحتمل : ( إن كنتم ) تعبدون{[1968]} ، إياه تقصدون ، فاجعلوا عبادتكم له خالصة ، لا تعبدوا غيره ، ليكون له [ الشكر ]{[1969]} ، ولا قوة إلا بالله . وقيل : ( إن كنتم إياه تعبدون ) بمعنى إن آثرتم عبادته ، فاشكروا له ، ويحتمل قوله : ( واشكروا لله ) على جميع ما أنعم عليكم من الدين والنبي والقرآن وغير ذلك من النعم ، أي كونوا له شاكرين .


[1958]:- في الأصل: يتلذذه.
[1959]:- في النسخ الثلاث: ويكون.
[1960]:- في الأصل و م: يقول الطيبات، في ط ع: يقوله الطيبات.
[1961]:- في ط ع: المرزوق
[1962]:- ما بين لمعقوفات الأربع من ط ع، وفي الأصل: ص 23 أ س 21-24 و في م: ص: 23 و س 28-32).
[1963]:- في الأصل و م: دل.
[1964]:- في النسخ الثلاث طيبا وخبيثا.
[1965]:- في النسخ الثلاث: أهل.
[1966]:- من ط ع.
[1967]:-من ط ع و م: ساقطة من الأصل.
[1968]:- من م، في الأصل: ممن يعبدونه، في ط م: تعدونه.
[1969]:- ساقطة من النسخ الثلاث.