الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

قولُه تعالى : { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ } : مفعولُ " كُلوا " محذوفٌ ، أي : كُلوا رزقَكم . وفي " مِنْ " حينئذٍ وجهان ، أحدُهما : أَنْ تكونَ لابتداءِ الغايةِ فتتعلَّقَ ب " كلوا " . والثاني : أَنْ تكونَ تبعيضيَّة فتتعلَّق بمحذوفٍ إذ هي حالٌ من ذلك المفعولِ المقدَّرِ ، أي : كُلوا رزقَكم حالَ كونِهِ بعضَ طيباتِ ما رزقناكم . ويجوزُ في رأيِ الأخفش أن تكونَ " مِنْ " زائدةً في المفعولِ به ، أي : كلوا طيباتِ ما رزقناكم . و " إنْ كُنْتُمْ " شرطٌ وجوابُهُ محذوفٌ ، أي : فاشكروا له . وقولُ مَنْ قال مِنَ الكوفيين إنَّها بمعنى " إذ " ضعيفٌ . و " إياه " مفعولٌ مقدَّمٌ ليُفيدَ الاختصاصَ ، أو لكونِ عامِلِه رأسَ آيةٍ ، وانفصالُهُ واجبٌ ، ولأنه متى تأخَّر وَجَبَ اتِّصالُه إلا في ضرورةٍ كقولِهِ :

إليك حتى بَلَغَتْ إيَّا كا

وفي قولِهِ : { وَاشْكُرُواْ للَّهِ } التفاتٌ من ضميرِ المتكلّم إلى الغَيْبَةِ ، إذ لو جَرَى على الأسلوبِ الأولِ لقال : " واشكرونا " .