غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

172

التفسير : إنه سبحانه تكلم من أول السورة إلى ههنا في دلائل التوحيد والنبوة واستقصى شرح أهل النفاق والشقاق من المشركين وأهل الكتاب ، وذيل كلاً من ذلك بما يناسبه ، ومن ههنا شرع في بيان الأحكام الشرعية . الحكم الأول : إباحة الأكل للمؤمنين بعد ما عمم للناس كلهم ، وهذا بالنظر إلى الأصل . وقد يصير واجباً العارض كما لو أشرف على الهلاك بسبب المجاعة ، وقد يكون مندوباً كموافقة الضيف واستدل بقوله { من طيبات ما رزقناكم } على أن الرزق قد يكون حراماً فإن الطيب هو الحلال . ولو كان الرزق حلالاً ألبتة لم يبق في ذكر الطيب فائدة إذ يصير المعنى كلوا من حلالات ما أحللنا لكم وأجيب بالمنع من أن معنى الطيب ما ذكر بل المعنى كلوا من متلذذات ما رزقناكم ، ولعل أقواماً ظنوا أن التوسع في الأكل الحلال والاستكثار من الملاذ ممنوع منه فرفع الحرج . { واشكروا لله } الذي رزقكموها { إن كنتم إياه تعبدون } إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم فإن الشكر رأس العبادة ، والتركيب يدور على الكشف والإظهار ومنه كشر إذا كشف عن ثغره ، فنشر النعم وحصرها باللسان من الشكر . وباطن الشكر أن يستعين بالنعم على الطاعة دون المعصية وقال بعضهم :

أوليتني نعماً أبوح بشكرها *** وكفيتني كل الأمور بأسرها

فلأشكرنك ما حييت فإن أمت *** فلتشكرنك أعظمي في قبرها

عن النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري " .

/خ176