ويبدو أن زواج الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من زينب بنت جحش - رضي الله عنها - مخالفا في ذلك عرف الجاهلية الذي تعمد الإسلام أن يبطله بهذه السابقة العملية . يبدو أن هذا الزواج لم يمر بسهولة ويسر ؛ وأنه قد انطلقت ألسنة كثيرة من المنافقين ومرضى القلوب ، وغير المتثبتين الذين لم يتضح في نفوسهم التصور الإسلامي الناصع البسيط ، انطلقت تغمز وتلمز ، وتؤول وتعترض ، وتهمس وتوسوس . وتقول قولا عظيما !
والمنافقون والمرجفون لم يكونوا يسكتون . فقد كانوا ينتهزون كل فرصة لبث سمومهم . كالذي رأينا في غزوة الأحزاب . وفي حديث الإفك . وفي قسمة الفيء . وفي كل مناسبة تعرض لإيذاء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بغير حق .
وفي هذا الوقت - بعد إجلاء بني قريظة وسائر اليهود من قبل - لم يكن في المدينة من هو ظاهر بالكفر . فقد أصبح أهلها كلهم مسلمين ، إما صادقين في إسلامهم وإما منافقين . وكان المنافقون هم الذين يروجون الشائعات ، وينشرون الأكاذيب ، وكان بعض المؤمنين يقع في حبائلهم ، ويسايرهم في بعض ما يروجون . فجاء القرآن يحذرهم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كما آذى بنو إسرائيل نبيهم موسى - عليه السلام - ويوجههم إلى تسديد القول ، وعدم إلقائه على عواهنه ، بغير ضبط ولا دقة ؛ ويحببهم في طاعة الله ورسوله وما وراءها من فوز عظيم : ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا . وكان عند الله وجيها . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبكم . ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) . .
ولم يحدد القرآن نوع الإيذاء لموسى ؛ ولكن وردت روايات تعينه . ونحن لا نرى بنا من حاجة للخوض في هذا الذي أجمله القرآن . فإنما أراد الله تحذير الذين آمنوا من كل ما يؤذي النبي [ صلى الله عليه وسلم ]
وقد ضرب بني إسرائيل مثلا للالتواء والانحراف في مواضع من القرآن كثيرة . فيكفي أن يشير إلى إيذائهم لنبيهم . وتحذير المسلمين من متابعتهم فيه ، لينفر حس كل مؤمن من أن يكون كهؤلاء المنحرفين الملتوين الذين يضربهم القرآن مثلا صارخا للانحراف والالتواء .
وقد برأ الله موسى مما رماه به قومه ، ( وكان عند الله وجيها )ذا وجاهة وذا مكانة . والله مبرئ رسله من كل ما يرمون به كذبا وبهتانا . ومحمد [ صلى الله عليه وسلم ] أفضل الرسل أولاهم بتبرئة الله له والدفاع عنه .
قال البخاري عند تفسير{[24061]} هذه الآية : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا عوف ، عن الحسن [ ومحمد ]{[24062]} وخلاس ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن موسى كان رجلا حَيِيا ، وذلك قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا }{[24063]} .
هكذا أورد هذا الحديث هاهنا مختصرًا جدًا ، وقد رواه في أحاديث " الأنبياء " بهذا السند بعينه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن موسى ، عليه السلام ، كان رجلا حَيِيا سِتِّيرا ، لا يُرَى من جلده شَيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا : ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص وإما أدْرَة وإما آفة ، وإن الله ، عز وجل ، أراد أن يُبرئَه مما قالوا لموسى عليه السلام ، فخلا يوما وحده ، فخلع ثيابه على حجر ، ثم اغتسل ، فلمَّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حَجَر ، ثوبي حَجَر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عُريانا أحسن ما خلق الله ، عز وجل ، وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر ، فأخذ ثوبَه فلبسه ، وطَفقَ بالحجر ضربًا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لَنَدبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا - قال : فذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } .
وهذا سياق حسن مطول ، وهذا الحديث من أفراد البخاري دون مسلم{[24064]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وخلاس ، ومحمد ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا } قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن موسى كان رجلا حَيِيا ستِّيرا ، لا يكاد يُرَى من جلده شَيء استحياء منه " {[24065]} .
ثم ساق الحديث كما رواه البخاري مطولا ورواه في تفسيره{[24066]} . عن روح ، عن عوف ، به . ورواه ابن جرير من حديث الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا{[24067]} . وهكذا رواه من حديث سليمان بن مِهْرَان الأعمش ، عن المنْهَال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَيْر ، وعبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس في قوله : { لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } قال : قال قومه له : إنك آدر . فخرج ذات يوم يغتسل ، فوضع ثيابه على صخرة ، فخرجت الصخرة تشتد بثيابه ، وخرج يتبعها عريانا حتى انتهت به مجالس بني إسرائيل ، قال : فرأوه ليس بآدر ، فذلك قوله : { فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا } .
وهكذا رواه العوفي ، عن ابن عباس سواء .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا روح بن حاتم وأحمد بن المعلى الآدميّ قالا حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان موسى ، عليه السلام ، رجلا حَيِيا ، وإنه أتى - أحسبه قال : الماء - ليغتسل ، فوضع ثيابه على صخرة ، وكان لا يكاد تبدو عورته ، فقال{[24068]} بنو إسرائيل : إن موسى آدر - أو : به آفة ، يعنون : أنه لا يضع ثيابه - فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء مجالس بني إسرائيل ، فنظروا إلى موسى كأحسن الرجال ، أو كما قال ، فذلك قوله : { فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا }{[24069]} .
وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، حدثنا الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس{[24070]} عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، في قوله : { فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا } قال : صعد موسى وهارون الجبل ، فمات هارون ، عليه السلام ، فقال بنو إسرائيل لموسى ، عليه السلام : أنت قتلته ، كان ألين لنا منك وأشد حياء . فآذوه من ذلك ، فأمر الله الملائكة فحملته ، فمروا{[24071]} به على مجالس بني إسرائيل ، فتكلمت بموته ، فما عرف موضع قبره إلا الرَّخَم ، وإن الله جعله أصم أبكم .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن علي بن موسى الطوسي ، عن عباد بن العوام ، به{[24072]} .
ثم قال : وجائز أن يكون هذا هو المراد بالأذى ، وجائز أن يكون الأول هو المراد ، فلا قول أولى من قول الله ، عز وجل .
قلت : يحتمل أن يكون الكل مرادا ، وأن يكون معه غيره ، والله أعلم .
قال{[24073]} الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شَقيق ، عن عبد الله قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قسما ، فقال رجل من الأنصار : إن هذه القسمة{[24074]} ما أريد بها وجه الله . قال : فقلت : يا عدو الله ، أما لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت . قال : فذكر{[24075]} ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فاحمرَّ وجهه ، ثم قال : " رحمة الله على موسى ، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " .
أخرجاه في الصحيحين{[24076]} من حديث سليمان بن مهران الأعمش ، به{[24077]} .
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، سمعت إسرائيل بن يونس ، عن الوليد بن أبي هاشم{[24078]} - مولى الهمداني ، عن زيد بن زائد ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لا يبلِّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا [ سليم الصدر ] " {[24079]} . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالٌ فقسمه ، قال : فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه : والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة . قال : فَتَثَبَّتُ حتى سمعت{[24080]} ما قالا ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إنك قلت لنا : " لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئا " ، وإني مررت بفلان وفلان ، وهما يقولان كذا وكذا . فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشَقَّ عليه ، ثم قال : " دعنا منك ، لقد أوذي موسى بأكثر من هذا ، فصبر " {[24081]} .
وقد رواه أبو داود في الأدب ، عن محمد [ بن يحيى الذُّهْلي ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن إسرائيل عن الوليد ]{[24082]} بن أبي هاشم{[24083]} به مختصرًا : " لا يبلغني أحد [ من أصحابي ]{[24084]} عن أحد شيئا ؛ إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " {[24085]}
وكذا رواه الترمذي في " المناقب " ، عن الذهلي سواء ، إلا أنه قال : " زيد بن زائدة " . ورواه أيضا عن محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن محمد ، عن عبيد الله بن موسى وحسين بن محمد كلاهما عن إسرائيل ، عن السدي ، عن الوليد بن أبي هاشم ، به مختصرا أيضا ، فزاد في إسناده السدي ، ثم قال : غريب من هذا الوجه{[24086]} .
وقوله : { وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } أي : له وجاهة وجاه عند ربه ، عز وجل .
قال الحسن البصري : كان مستجابَ الدعوة عند الله . وقال غيره من السلف : لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه . ولكن منع الرؤية لما يشاء الله ، عز وجل .
وقال بعضهم : من وجاهته العظيمة [ عند الله ] {[24087]} : أنه شفع في أخيه هارون أن يرسله الله معه ، فأجاب الله سؤاله ، وقال : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } [ مريم : 53 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللّهُ مِمّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللّهِ وَجِيهاً } .
يقول تعالى ذكره لأصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تؤذوا رسول الله بقول يكرهه منكم ، ولا بفعل لا يحبه منكم ، ولا تكونوا أمثال الذين آذوا موسى نبيّ الله ، فرموه بعيب كذبا وباطلاً فَبرّأهُ اللّهُ مِمّا قالُوا فيه من الكذب والزور بما أظهر من البرهان على كذبهم وكانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيها يقول : وكان موسى عند الله مشفعا فيما يسأل ، ذا وجه ومنزلة عنده بطاعته إياه .
ثم اختلف أهل التأويل في الأذى الذي أوذي به موسى الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : رموه بأنه آدَر . ورَوَي بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا . ذكر الرواية التي رويت عنه ، ومن قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، وعبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس ، في قوله : لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى قال : قال له قومه : إنك آدر ، قال : فخرج ذات يوم يغتسل ، فوضع ثيابه على صخرة ، فخرجت الصخرة تشتدّ بثيابه ، وخرج يتبعها عريانا حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل ، قال : فرأوه ليس بآدر ، قال : فذلك قوله : فَبرّأهُ اللّهُ مِمّا قالُوا .
حدثني يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى قال : قالُوا : هُوَ آدَرُ ، قال : فذهب موسى يغتسل ، فوضع ثيابه على حجر ، فمرّ الحجر بثيابه ، فتبع موسى قفاه ، فقال : ثيابي حجر ، فمرّ بمجلس بني إسرائيل ، فرأوه ، فبرأه الله مما قالوا » وكانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى . . . إلى وَجِيها قال : كان أذاهم موسى أنهم قالوا : والله ما يمنع موسى أن يضع ثيابه عندنا إلا أنه آدر ، فآذى ذلك موسى فبينما هو ذات يوم يغتسل وثوبه على صخرة فلما قضى موسى غسله وذهب إلى ثوبه ليأخذه ، انطلقت الصخرة تسعى بثوبه ، وانطلق يسعى في أثرها حتى مرّت على مجلس بني إسرائيل وهو يطلبها فلما رأوا موسى صلى الله عليه وسلم متجرّدا لا ثوب عليه قالوا : ولله ما نرى بموسى بأسا ، وإنه لبريء مما كنا نقول له ، فقال الله : فَبرّأهُ اللّهُ مِمّا قالُوا وكانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى . . . الاَية ، قال : كان موسى رجلاً شديد المحافظة على فرجه وثيابه ، قال : فكانوا يقولون : ما يحمله على ذلك إلا عيب في فرجه يكره أن يُرَى فقام يوما يغتسل في الصحراء ، فوضع ثيابه على صخرة ، فاشتدّت بثيابه ، قال : وجاء يطلبها عريانا ، حتى اطلع عليهم عريانا ، فرأوه بريئا مما قالوا ، وكان عند الله وجيها . قال : والوجيه في كلام العرب : المحبّ المقبول .
وقال آخرون : بل وصفوه بأنه أبرص . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : قال بنو إسرائيل : إن موسى آدر وقالت طائفة : هو أبرص من شدّة تستّره ، وكان يأتي كلّ يوم عينا ، فيغتسل ويضع ثيابه على صخرة عندها ، فعدت الصخرة بثيابه حتى انتهت إلى مجلس بني إسرائيل ، وجاء موسى يطلبها فلما رأوه عريانا ليس به شيء مما قالوا ، لبس ثيابه ثم أقبل على الصخرة يضربها بعصاه ، فأثرت العصا في الصخرة .
حدثنا بحر بن حبيب بن عربي ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا عوف ، عن محمد ، عن أبي هريرة في هذه الاَية لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبرّأهُ اللّهُ مِمّا قالُوا . . . الاَية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ مُوسَى كانَ رَجُلاً حَيِيّا سِتّيرا ، لا يَكادُ يُرَى مِنْ جِلْدهِ شَيْءٌ اسْتِحْياءً مِنْهُ ، فآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَني إسْرَائِيلَ ، وَقالُوا : ما تَسَتّرَ هَذَا التّسَتّرَ إلاّ مِنْ عَيْبٍ فِي جِلْدِهِ ، إمّا برصٌ ، وإمّا أُدْرَةٌ ، وإمّا آفَةٌ ، وَإنّ اللّهَ أرَادَ أنْ يُبَرّئَهُ مِمّا قالُوا ، وَإنّ مُوسَى خَلا يَوْما وَحْدَهُ ، فَوَضَعَ ثِيابَهُ عَلى حَجَرٍ ، ثُمّ اغْتَسَلَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ أقْبَلَ عَلى ثَوْبهِ لِيأْخُذَهُ ، وَإنّ الحَجَرَ عَدَا بثَوْبِهِ ، فأخَذَ مُوسَى عَصا وَطَلَبَ الحَجَرَ ، وَجَعَلَ يَقُولُ : ثَوْبِي حَجَرُ ، حتى انْتَهَى إلى مِلإٍ مِنْ بَني إسْرائِيلَ ، فَرأَوْهُ عُرْيانا كأحْسَنِ النّاسِ خَلْقا ، وَبَرّأهُ اللّهُ مِمّا قالُوا ، وَإنّ الحَجَرَ قامَ ، فأخَذَ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ ، فَطَفِقَ بالحَجَرِ ضَرْبا بذلكَ ، فوَاللّهِ إنّ فِي الحَجَرِ لَنَدْبا مِنْ أثَرِ ضَوْبِهِ ثَلاثا أوْ أرْبَعا أوْ خَمْسا » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كانَ مُوسَى رَجُلاً حَيِيّا سِتيرا » ثم ذكر نحوا منه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدّث الحسن ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ بَنِي إسْرَائِيلَ كانُوا يَغْتَسِلُونَ وَهُمْ عُرَاةٌ ، وكانَ نَبِيّ اللّهُ مُوسَى حَيِيّا ، فكانَ يَتَسَتّرُ إذَا اغْتَسَلَ ، فَطَعَنُوا فِيهِ بعَوْرَةٍ ، قال : فَبَيْنا نَبِيّ اللّهِ يَغْتَسلُ يَوْما ، إذْ وَضَعَ ثِيابَهُ على صَخْرَةٍ ، فانْطَلَقَتِ الصّخْرَةُ وَاتّبَعَها نَبِيّ اللّهِ ضَرْبا بِعَصَاهُ : ثَوْبِي يا حَجَرُ ، ثَوْبِي يا حَجَرُ ، حتى انْتَهَتْ إلى ملإٍ مِنْ بَنِي إسْرائِيلَ ، أوْ تَوَسّطهُمْ ، فَقامَتْ ، فأخَذَ نَبِيّ اللّهُ ثِيابَهُ ، فَنَظَرُوا إلى أحْسَنِ النّاسِ خَلْقا ، وأعْدَلِهِ مُرُوءَةً ، فقالَ المَلأُ : قاتَلَ اللّهُ أفّاكي بَنِي إسْرائِيلَ ، فَكانَتْ بَراءَتَهُ التي بَرّأَهُ اللّهُ مِنْها » .
وقال آخرون : بل كان أذاهم إياه ادّعاءهم عليه قتل هارون أخيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن مسلم الطوسي ، قال : حدثنا عباد ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن الحكم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، عن عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، في قول الله : لاَ تَكُونُوا كالّذِينَ آذَوْا مُوسَى . . . الاَية ، قال : صعد موسى وهارون الجبل ، فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : أنت قتلته ، وكان أشدّ حبا لنا منك ، وألين لنا منك ، فآذوه بذلك ، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مرّوا به على بني إسرائيل ، وتكلّمت الملائكة بموته ، حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات ، فبرأه الله من ذلك فانطلقوا به فدفنوه ، فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله إلا الرخم ، فجعله الله أصمّ أبكم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن بني إسرائيل آذوا نبيّ الله ببعض ما كان يكره أن يؤذي به ، فبرأه الله مما آذوه به . وجائز أن يكون ذلك كان قيلهم إنه أبرص ، وجائز أن يكون كان ادّعاءهم عليه قتل أخيه هارون . وجائز أن يكون كلّ ذلك ، لأنه قد ذكر كلّ ذلك أنهم قد آذوه به ، ولا قول في ذلك أولى بالحقّ مما قال الله إنهم آذوا موسى ، فبرأه الله مما قالوا .