فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى } بقولهم إن به أدرة أو برصا أو عيبا ، وسيأتي بيان ذلك ، وفيه تأديب للمؤمنين وزجر لهم من أن يدخلوا في شيء من الأمور التي تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال مقاتل : وعظ الله المؤمنين أن لا يؤذوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى بنوا إسرائيل موسى ، وقد وقع الخلاف فيما أوذي به نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية فحكى النقاش : أن أذيتهم محمدا صلى الله عليه وسلم قولهم : زيد بن محمد ، وقال أبو وائل : إنه صلى الله عليه وسلم قسم قسما فقال رجل من الأنصار : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله .

وعن ابن مسعود مثله ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فاحمر وجهه ، ثم قال : [ رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ] . أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ، وقيل : نزلت في زيد بن ثابت ، وزينب بنت جحش وما سمع فيها من قالة الناس .

{ فَبَرَّأَهُ } أي طهره { اللهُ مِمَّا قَالُوا } وأظهر براءته لهم وما مصدرية أو موصولة وأيهما كان ، فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤداه ، وهو الأمر المعيب وأذى موسى هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها .

وقد أخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا : ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة ، وإما آفة وإن الله عز وجل أراد أن يبرئ موسى مما قالوا فخلا يوما وحده ، فخلع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه فطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا ] .

وأخرج نحوه البزار وابن الأنباري وابن مردويه من حديث أنس وقال ابن عباس : قال له قومه إنه آدر فخرج ذات يوم يغتسل فوضع ثيابه على حجر فخرجت الصخرة تشتد بثيابه فخرج موسى يتبعها عريانا حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل فرأوه وليس بآدر فذلك قوله : ( فبرأه الله مما قالوا ) الآية .

وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن مسعود وناس من الصحابة أن الله أوحى إلى موسى أني متوف هارون فأت به جبل كذا وكذا فانطلقا نحو الجبل فإذا هم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب ، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه ، قال موسى : إني أحب أن أنام على هذا السرير ، قال : نم عليه ، قال نم معي فلما ناما أخذ هارون الموت فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت الشجرة ورفع السرير إلى السماء .

فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : قتل هارون وحسده حب بني إسرائيل ، وكان هارون أألف بهم وألين لهم ، وكان في موسى بعض الغلظة عليهم ، فلما بلغه ذلك قال : ويحكم إنه كان أخي أفتروني أقتله ؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم عاد الله فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه { وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا } أي عظيما ذا وجاهة ، والوجيه العظيم القدر الرفيع المنزلة ، يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، وقيل : مستجاب الدعوة ، وقيل : الوجاهة أنه كلمه تكليما ، وقرأ عبد الله بالموحدة من العبودية ، وهي حسنة ، قاله الكرخي .