تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

الآية 69 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا } يقول عامة أهل التأويل : إن موسى كان لا يغتسل في ما يراه أحد ، فقال بنو إسرائيل : إن موسى آدر ، ويروون على ذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( إن بني إسرائيل طعنوا نبي الله موسى بذلك ، فذهب ذات يوم يغتسل ، فوضع ثيابه على حجر ، فسعى الحجر بثوبه ، فجعل موسى ، يدعو في إثره ، ويقول : حجر ، أي يا حجر ثوبي حتى مر به على ملأ بني إسرائيل ، فعلموا أنه ليس به شيء ) [ البخاري : 278 ] فذلك قوله : { فبرأه الله مما قالوا } وكان موسى يتأذى بما كانوا يطعنون . فعلى ذلك رسول الله . كان يتأذى إذا قالوا : زيد بن محمد [ فأمرهم الله ]( {[16852]} ) أن يدعوه لأبيه بقوله( {[16853]} ) : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } [ الأحزاب : 5 ] زيد بن حارثة .

لكن هذا التأويل بعيد ، لأن موسى كان يدعوهم إلى ستر العورة ، لا يحتمل أن يطمعوا هم منه الاغتسال معهم ، وأن يكشف عورتهم ، أو أن ينظر إلى عورة أحد ، وهذا وحش من القول ، أو يسلط حجر ، فيذهب بثيابه حتى يراه الناس متجردا ، والله أعلم .

وقال بعضهم : آذوه لأنه كان خرج بهارون إلى بعض الجبال ، فمات هارون هنالك ، فرجع موسى إليهم وحده ، فقال بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته . حينئذ قال( {[16854]} ) موسى : ويلكم أيقتل الرجل أخاه ؟ فآذوه . فذلك قوله : { لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا } فجاءت به الملائكة ، فوضعته بينهم ، فقال لهم : لم يقتلني أحد إنما جاء أجلي ، فمت ، فذلك قوله : { فبرأه الله مما قالوا } هذا يشبه أن يكون .

وغيره كأنه أقرب وأشبه ، وهو ما كان قوم كل رسول ؛ نسبوا رسولهم إلى الجنون مرة وإلى السحر ثانيا ، [ وإلى الافتراء والكذب على الله ثالثا ]( {[16855]} ) ونحوه على علم منهم أنه رسول الله ، ولاشك أنهم كانوا يتأذون بذلك جدا . ولذلك قال : { يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون إني رسول الله إليكم } [ الصف : 5 ] .

لا يحتمل أن يكون هذا في الأول لأنهم لو كانوا علموا انه ليس به ما ذكروا لم يؤذوه ، فدل أن أذاهم إياه في ما ذكرنا وفي أمثال ذلك .

وكذلك ما نهى قوم رسول الله عن الأذى له لما نسبوه مرة إلى الجنون وإلى السحر ثانيا وإلى الافتراء والكذب على الله ثالثا لا في ما ذكر أولئك { وكان عند الله وجيها } أي مكينا في القدر( {[16856]} ) والمنزلة ، والله أعلم .


[16852]:في الأصل وم: فأمروا
[16853]:في الأصل وم: يقول.
[16854]:في الأصل وم: فقال.
[16855]:من م، في الأصل: وأنه كذاب مفتر.
[16856]:من م، في الأصل: والقدرة.