محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا } لما بين تعالى وعيد من يؤذي نبيه صلى الله عليه وسلم ، من استحقاقه اللعنة في الدارين ، تعريضا بمن صدر منهم شيء من الأذى في قصة زيد وزينب ، التي سيقت السورة لأجلها ، ختمها أيضا بالوصية بالتباعد عن التشبه بقوم صدر منهم إيذاء لموسى عليه السلام ، بتنقصه تارة ، وقلة الأدب معه طورا ، ونسبته إلى ما ينافي الرسالة آونة . كما يمر كثير من ذلك بقارئ توراتهم . مما ينبئ عن عدم إيفائهم رسالته ونبوته حقها ، من التعظيم له والصلاة عليه والتسليم لأمره وقضيته . فكانت النتيجة أن غضب الله عليهم ورماهم بأفانين العقوبات ، ولحقتهم المخازي ، وبرأ رسوله موسى عليه السلام من إفكهم ، ونزه مقامه عن تنقيصهم ، بأن حقق فضله ، وأسمى منزلته ، وآتاه الوجاهة – وهي العظمة والقرب – عنده . وهكذا حقت كلمة اللعنة والخزي على مؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحقهم الدمار ، وشرح لنبيه صدره ، ورفع له ذكره ، وأعلى منزلته ، وفخم وجاهته ، ما تعاقبت الأدوار . ويقرب من هذه الآية ، في المعنى والإشارة ، قوله تعالى {[6244]} : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ، والله لا يهدي القوم الفاسقين } وفيهما كلتيهما تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بتأسيه بأخيه موسى صلوات الله عليه وسلامه عليهما . وكثيرا ما كان يقول صلى الله عليه وسلم في جواب جفاة الأعراب حين ما يبلغه أو يسمع ما يكره : ( رحمة الله على موسى . لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) .

وقد روى المفسرون ها هنا آثارا . أحسنها ما أخرجه البزار عن أنس مرفوعا : ( كان موسى رجلا حييا . وأنه أتى الماء ليغتسل . فوضع ثيابه على صخرة . وكان لا يكاد تبدو عورته . فقال بنو إسرائيل إن موسى آدر {[6245]} أو به آفة . يعنون أنه لا يضع ثيابه . فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء بني إسرائيل . فنظروا إلى موسى كأحسن الرجال . أو كما قال . فذلك قوله : { فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا } ورواه {[6246]} البخاري في ( صحيحه ) عن أبي هريرة أيضا .

قال الرازي : وحديث إيذاء موسى مختلف فيه – أي لكثرة الروايات فيه – مع أن الإيذاء المذكور في القرآن كاف لقولهم {[6247]} : { فاذهب أنت وربك فقاتلا } وقولهم {[6248]} : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } وقولهم {[6249]} { لن نصبر على طعام واحد } إلى غير ذلك . فقال للمؤمنين : لا تكونوا أمثالهم . انتهى .

وقال ابن كثير : يحتمل أن يكون كل ما روي مرادا . وأن يكون معه غيره . انتهى . أي لعموم المعمول المحذوف . وما بيناه أولا ، هو الأقرب . والله أعلم .

تنبيهات :

الأول – ( الوجيه ) لغة بمعنى السيد ، كالوجه يقال : هؤلاء وجوه البلد ووجهاؤه . أي أشرافه . وبمعنى ذي الجاه – والجاه القدر والمنزلة . مقلوب عن ( وجه ) فلما أخرت ( الواو ) إلى موضع ( العين ) وصارت جوها ، قلبت ( الواو ) ألفا . فصارت ( جاها ) . كذا في ( القاموس وشرحه ) .

الثاني – قال الزمخشري : { وجيها } أي ذا جاه ومنزلة عنده . فلذلك كان يميط عنه التهم ويدفع الأذى ويحافظ عليه لئلا يلحقه وصم لا يوصف بنقيصه . كما يفعل الملك بمن له عنده قربة ووجاهة . وقال ابن جرير {[6250]} : أي كان موسى عند الله مشفعا فيما يسأل ، ذا وجه ومنزلة عنده . بطاعته إياه ، أي مقبولا ومجابا فيما يطلب لقومه من الله تعالى ، عناية منه تعالى وتفضيلا .

الثالث – اتخذ العامة ، وكثير من المتعالمين ، وصف الوجاهة للأنبياء ، ذريعة للطلب والرغبة منهم ، مما لا ينطبق على عقل ولا نقل ، ولا يصدق على المعنى اللغوي بوجه ما . وقد كتب في ذلك الإمام الشيخ محمد عبده فتيا ، أبان وجه الصواب فيما تشابه من هذه المسألة . وذلك أنه سئل ، رحمه الله ، عمن يتوسل بالأنبياء والأولياء ، معتقدا أن النبي أو الولي يستميل إرادة الله تعالى عما هي عليه ، كما هو المعروف للناس من معنى الشفاعة والجاه عند الحكام . وأن التوسل بهم إلى الله تعالى كالتوسل بأكابر الناس إلى الحكام .

فقال امرؤ : إن هذا مخل بالعقيدة وإن قياس التوسل إلى الله تعالى على التوسل بالحكام محال . وإن عقيدة التوحيد أن لا فاعل ولا نافع ولا ضار إلا الله تعالى . وإنه لا يدعي معه أحد سواه . كما قال تعالى {[6251]} : { فلا تدعو مع الله أحدا } وإن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان أعظم منزلة عند الله تعالى من جميع البشر ، وأعظم الناس جاها ومحبة ، وأقربهم إليه . ليس له من الأمر شيء ، ولا يملك للناس ضرا ولا نفعا ولا رشدا ولا غيره . كما في نص القرآن . وإنما هو مبلغ عن الله تعالى . ولا يتوسل إليه تعالى إلا بالعمل بما جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم ، وإتباع ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون من هديه وسنته . وإنه لا سبب لجلب المنافع ودفع المضار إلا ما هدى الله الناس إليه . ولا معنى للتوسل بنبي أو ولي إلا باتباعه والاقتداء به . يرشدنا إلى هذا كثير من الآيات الواردة في القرآن العظيم ، كقوله تعالى {[6252]} : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه } {[6253]} إلى غير ذلك من الآيات . هذا هو اعتقادي وهو الذي قلته للناس . فإن كنتم ترون فيه خطأ فأرجو بيانه . وإن كان هو الصواب فأرجو إقراري عليه كتابة ، لأدافع بذلك من أساء بي الظن .

فأجاب رحمه الله ، بعد البسملة والحوقلة : اعتقادك هذا هو الاعتقاد الصحيح . ولا يشوبه شوب من الخطأ . وهو ما يجب على كل مسلم يؤمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أن يعتقده . فإن الأساس الذي بنيت عليه رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا المعنى من التوحيد . كما قال الله تعالى {[6254]} : { قل هو الله أحد * الله الصمد } و { الصمد } هو الذي يقصد في الحاجات ، ويتوجه إليه المربوبون في معونتهم على ما يطلبون ، وإمدادهم بالقوة فيما تضعف عنه قواهم . والإتيان بالخبر على هذه الصورة يفيد الحصر . كما هو معروف عند أهل اللغة ، فلا صمد إلا هو . وقد أرشدنا إلى وجوب القصد إليه وحده بأصرح عبارة في قوله {[6255]} : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداعي إذا دعان } وقد قال الشيخ محيي الدين بن العربي ، شيخ الصوفية ، في صفحة 226 من الجزء الرابع من ( فتوحاته ) عند الكلام على هذه الآية : إن الله تعالى لم يترك لعبده حجة عليه . بل لله الحجة البالغة . فلا يتوسل إليه بغيره . فإن التوسل إنما هو طلب القرب منه . وقد أخبرنا الله أنه قريب . وخبره صدق . انتهى ملخصا .

على أن الذين يزعمون جواز شيء مما عليه العامة اليوم في هذا الشأن ، إنما يتكلمون فيه بالمبهمات ، ويسلكون طرقا من التأويل لا تنطبق على ما في نفوس الناس . ويفسرون الجاه والواسطة بما لا أثر له في مخيلات المعتقدين . فأي حالة تدعوهم إلى ذلك ؟ وبين أيديهم القرون الثلاثة الأولى ، ولم يكن فيها شيء من هذا التوسل ولا ما يشبهه بوجه من الوجوه . وكتب السنة والسير بين أيدينا شاهدة بذلك ، فكل ما حدث بعد ذلك فأقل أوصافه أنه ( بدعة ) في الدين وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . وأسوأ البدع ما كان فيه شبهة الإشراك بالله تعالى وسوء الظن به . كهذه البدع التي نحن بصدد الكلام فيها ، وكان هؤلاء الزاعمين يظنون أن في ذلك تعظيما لقدر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الأنبياء أو الأولياء . مع أن أفضل التعظيم للأنبياء هو الوقوف عند ما جاءوا به ، واتقاء الزيادة عليهم فيما شرعوه بإذن ربهم . وتعظيم الأولياء يكون باختيار ما اختاروه لأنفسهم . وظن هؤلاء الزاعمين أن الأنبياء والأولياء يفرحون بإطرائهم وتنظيم المدائح وعزوها إليهم ، وتفخيم الألفاظ عند ذكرهم ، واختراع شؤون لهم مع الله ، لم ترد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا رضيها السلف الصالح . هذا الظن بالأنبياء والأولياء هو أسوأ الظن . لأنهم شبهوهم في ذلك بالجبارين من أهل الدنيا ، الذين غشيت أبصارهم ظلمات الجهل قبل لقاء الموت ، وليس يخطر بالبال أن جبارا لقي الموت وانكشف له الغطاء عن أمر ربه فيه ، يرضى أن يفخمه الناس بما لم يشرعه الله . فكيف بالأنبياء والصديقين ؟ إن لفظ ( الجاه ) الذي يضيفونه إلى الأنبياء والأولياء عند التوسل ، مفهومه العرفي هو السلطة . وإن شئت قلت نفاذ الكلمة عند من يستعمل عليه أو لديه ، فيقال فلان اغتصب مال فلان بجاهه ، ويقال فلان خلص فلانا من عقوبة الذنب بجاهه ، لدى الأمير أو الوزير مثلا . فزعم زاعم أن لفلان جاها عند الله بهذا المعنى ، إشراك جلي لا خفي . وقلما يخطر ببال أحد من المتوسلين معنى اللفظ اللغوي ، وهو المنزلة والقدر . على أنه لا معنى للتوسل بالقدر والمنزلة في نفسها . لأنها ليست شيئا ينفع . وإنما يكون لذلك معنى ، لو أولت بصفة من صفات الله ، كالاجتباء والاصطفاء ، ولا علاقة لها بالدعاء ولا يمكن لمتوسل أن يقصدها في دعائه . وإن كان ( الآلوسي ) بنى تجويز التوسل بجاه النبي خاصة على ذلك التأويل وما حمله على هذا إلا خوفه من ألسنة العامة وسباب الجهال . وهو مما لا قيمة له عند العارفين . فالتوسل بلفظ الجاه مبتدع بعد القرون الثلاثة . وفيه شبهة الشرك والعياذ بالله ، وشبهة العدول عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . فلم الإصرار على تحسين هذه البدعة ؟

يقول بعض الناس : ( إن لنا على ذلك حجة لا أبلغ منها . وهي ما رواه الترمذي {[6256]} بسنده إلى عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال : إن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني . فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك . قال : فادعه . قال فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد ! إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي . اللهم فشفعه في ) . قال الترمذي : وهو حديث حسن صحيح غريب ، ونقول أولا : قد وصف الحديث بالغريب ، وهو ما رواه واحد . ثم يكفي في لزوم التجوز عن الأخذ به ، أن أهل القرون الثلاثة لم يقع منهم مثله ، وهم أعلم منا بما يجب الأخذ به من ذلك . ولا وجه لابتعادهم عن العمل به ، إلا علمهم بأن ذلك من باب طلب الاشتراك في الدعاء من الحي . كما قال عمر {[6257]} رضي الله عنه ، في الاستسقاء : ( إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس فاسقنا ) ، قال ذلك ، رضي الله عنه ، والعباس بجانبه يدعو الله تعالى ، ولو كان التوسل ما يزعم هؤلاء الزاعمون ، لكان عمر يستسقي ويتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يقول ( كنا نستسقي بنبيك ) وطلب الاشتراك في الدعاء مشروع حتى من الأخ لأخيه ، بل ويكون من الأعلى للأدنى ، كما ورد في الحديث . وليس فيه ما يخشى منه ، فإن الداعي ومن يشركه في الدعاء وهو حي ، كلاهما عبد يسأل الله تعالى ، والشريك في الدعاء شريك في العبودية ، ولا وزير يتصرف في إرادة الأمير كما يظنون {[6258]} { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } ثم المسألة داخلة في باب العقائد ، لا في باب الأعمال . ذلك في أن الأمر فيها يرجع إلى هذا السؤال ( هل يجوز أن نعتقد بأن واحدا سوى الله يكون واسطة بيننا وبين الله في قضاء حاجتنا أو لا يجوز ) ؟ أما الكتاب فصريح في أن تلك العقيدة من عقائد المشركين ، وقد نعاها عليهم في قوله {[6259]} : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } سورة يونس وقد جاء في السورة التي نقرؤها كل يوم في الصلاة { وإياك نستعين } فلا استعانة إلا به ، وقد صرح الكتاب بأن أحدا لا يملك للناس من الله نفعا ولا ضرا ، وهذا هو التوحيد الذي كان أساس الرسالة المصطفوية كما بينا . ثم البرهان العقلي يرشد إلى أن الله تعالى في أعماله لا يقاس بالحكام وأمثالهم في التحول عن إرادتهم ، بما يتخذه أهل الجاه عندهم ، لتنزهه جل شأنه عن ذلك . ولو أراد مبتدع أن يدعو إلى هذه العقيدة ، فعليه أن يقيم عليها الدليل الموصل إلى اليقين ، إما بالمقدمات العقلية البرهانية أو بالأدلة السمعية المتواترة . ولا يمكنه أن يتخذ حديثا من حديث الآحاد دليلا على العقيدة مهما قوى سنده . فإن المعروف عند الأئمة قاطبة أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن . { وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } {[6260]}انتهى كلامه رحمه الله .

ثم راجعت ( اقتضاء الصراط المستقيم ) للإمام العلم تقي الدين ابن تيمية رضي الله عنه . فرأيته ذكر نحوا من ذلك وعبارته فالوسيلة التي أمر الله بابتغائها تعم الوسيلة في عبادته وفي مسألته . فالتوسل إليه بالأعمال الصالحة التي أمر بها ، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم ، ليس هو من باب الإقسام عليه بمخلوقاته . ومن هذا الباب استشفاع الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فإنهم يطلبون منه أن يشفع لهم إلى الله ، كما كانوا في الدنيا يطلبون منه أن يدعو لهم في الاستسقاء وغيره : وقول عمر رضي الله عنه ( إنا كنا ، إذا أجدبنا ، توسلنا إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا ) . معناه نتوسل بدعائه وشفاعته وسؤاله ، ونحن نتوسل إليك بدعاء عمه وسؤاله وشفاعته . ليس المراد به ، إنا نقسم عليك به . أو ما يجري هذا المجرى مما يفعل بعد موته وفي مغيبه . كما يقول بعض الناس : أسألك بجاه فلان عندك . ويقولون : إنا نتوسل إلى الله بأنبيائه وأوليائه ، ويروون حديثا موضوعا ( إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي ، فإن جاهي عند الله عريض ) فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه ، كما ذكر عمر رضي الله عنه ، لفعلوا ذلك بعد موته ، ولم يعدلوا عنه إلى العباس . مع علمهم أن السؤال به والإقسام به ، أعظم من العباس . فعلم أن ذلك التوسل الذي ذكروه ، هو مما يفعل بالأحياء دون الأموات . وهو التوسل بدعائهم وشفاعتهم . فإن الحي يطلب منه ذلك والميت لا يطلب منه شيء ، لا دعاء ولا غيره . وكذلك حديث الأعمى . فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ليرد الله عليه بصره . فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أمره فيه ، أن يسأل الله قبول شفاعة نبيه فيه . فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه ، وأمره أن يسأل الله قبول شفاعته ، وأن قوله ( أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ) أي بدعائه وشفاعته . كما قال عمر : ( كنا نتوسل إليك بنبينا ) . فلفظ ( التوجه ) و ( التوسل ) في الحديثين بمعنى واحد . ثم قال ( يا محمد ! يا رسول الله ! إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها . اللهم ! فشفعه في ) . فطلب من الله أن يشفع فيه نبيه . وقوله ( يا محمد ! يا نبي الله ! ) هذا وأمثاله نداء ، يطلب به استحضار المنادى في القلب . فيخاطب المشهود بالقلب . كما يقول المصلي : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا . فيخاطب من يتصوره في نفسه . وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب . فلفظ التوسل بالشخص والتوجه به والسؤال له ، فيه إجمال واشتراك . غلط بسببه من لم يفهم مقصد الصحابة ، يراد به التشبث به ( في الأصل التسبب به ) لكونه داعيا وشافعا مثلا . أو لكون الداعي محببا له ، مطيعا لأمره ، مقتديا به . فيكون التسبب إما بمحبة السائل له واتباعه له ، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته ، ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته . فلا يكون التوسل ، لا شيء منه ولا شيء من السائل ، بل بذاته أو بمجرد الإقسام به على الله . فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه . انتهى .


[6244]:(61 / الصف / 5).
[6245]:أي أدرة، بضم فسكون، وهي انتفاخ الخصيتين وكبرهما جدا.
[6246]:أخرجه البخاري في: 5 – كتاب الغسل، 20، باب - من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، حديث رقم 201.
[6247]:(5 / المائدة / 24).
[6248]:(2 / البقرة / 55).
[6249]:(2 / البقرة / 61).
[6250]:انظر الصفحة رقم 50 من الجزء الثاني والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).
[6251]:(72 / الجن / 18).
[6252]:(3 / آل عمران / 31).
[6253]:(6 / الأنعام / 153).
[6254]:(112 / الإخلاص / 1 و 2).
[6255]:(2 / البقرة / 186).
[6256]:أخرجه في: 45 – كتاب الدعوات، 118 – باب حدثنا محمود بن غيلان.
[6257]:أخرجه البخاري في: 15 – كتاب الاستسقاء، 3 – باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء، إذا قحطوا، حديث 572.
[6258]:(37 / الصافات / 170).
[6259]:(10 / يونس / 18).
[6260]:(53 / النجم / 28).