الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا} (69)

أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن موسى عليه السلام كان رجلاً حيياً " ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه ، فأذاه من أذاه من بني إسرائيل ، وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده . إما برص ، وإما أدرة ، وإما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا ، وان موسى عليه السلام خلا يوماً وحده ، فوضع ثيابه على حجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عليه السلام عصاه ، وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر ! حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه . ثلاثاً . أو أربعاً أو خمساً . فذلك قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا } » .

وأخرج البزار وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كان موسى رجلاً حيياً ، وإنه أتى ليغتسل ، فوضع ثيابه على صخرة ، وكان لا يكاد تبدو عورته ، فقالت بنو إسرائيل : إن موسى عليه السلام آدر به آفة - يعنون أنه لا يضع ثيابه - فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء مجالس بني إسرائيل ، فنظروا إلى موسى عليه السلام كأحسن الرجال ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً } » .

وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن موسى بن عمران كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء » .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لا تكونوا كالذين آذوا موسى } قال : قال له قومه : إنه آدر . فخرج ذات يوم يغتسل ، فوضع ثيابه على صخرة ، فخرجت الصخرة تشتد بثيابه ، فخرج موسى عليه السلام يتبعها عرياناً حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل ، فرأوه وليس بآدر ، فذلك قوله { فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً } .

وأخرج ابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله { لا تكونوا كالذين آذوا موسى } قال : صعد موسى وهارون الجبل ، فمات هارون عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : أنت قتلته ، كان أشد حباً لنا منك وألين ، فآذوه من ذلك ، فأمر الله الملائكة عليهم السلام ، فحملته فمروا به على مجالس بني إسرائيل ، وتكلمت الملائكة عليهم السلام بموته ، فبرأه الله من ذلك ، فانطلقوا به فدفنوه ولم يعرف قبره إلا الرُخَّم ، وأن الله جعله أصم أبكم .

وأخرج الحاكم وصححه من طريق السدي رضي الله عنه عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة عن ابن مسعود رضي الله عنه وناس من الصحابة . أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام : إني متوفِ هارون ، فائت به جبل كذا وكذا . . فانطلقا نحو الجبل ، فإذا هم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب ، فلما نظر هارون عليه السلام إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه قال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال : نم عليه قال : نم معي . فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت ، فلما قبض رفع ذلك البيت ، وذهبت تلك الشجرة ، ورفع السرير إلى السماء ، فلما رجع موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل قالوا : قتل هارون عليه السلام وحسده حب بني إسرائيل له ، وكان هارون عليه السلام أكف عنهم وألين لهم ، وكان موسى عليه السلام فيه بعض الغلظة عليهم ، فلما بلغه ذلك قال : ويحكم أنه كان أخي أفتروني أقتله ! فلما أكثروا عليه قام يصلي ركعتين ، ثم دعا الله ، فنزلت الملائكة بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا نبيكم كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا } قال : لا تؤذوا محمداً ، كما آذى قوم موسى . موسى .

وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً فقال رجل : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فاحمر وجهه ثم قال " رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { وكان عند الله وجيهاً } قال : مستجاب الدعوة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سنان عمن حدثه في قوله { وكان عند الله وجيهاً } قال : ما سأل موسى عليه السلام ربه شيئاً قط إلا أعطاه إياه إلا النظر .