{ يوم يدع الداع } ظرف ل " يخرجون " . والداعي : إسرافيل عليه السلام . وحذفت الواو من " يدع " لفظا لالتقاء الساكنين ، ورسما تبعا للفظ . وحذفت الياء من " الداع " تخفيفا . { إلى شيء نكر } على أمر فظيع عظيم ، تنكره النفوس وتكرهه ؛ لعدم العهد بمثله وهو هول القيامة ، أو لشدته وهو الحساب . والنكر – بضم الكاف وسكونها - : المنكر ؛ كالنكراء . والأمر الشديد .
{ 6-8 } { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : قد بان أن المكذبين لا حيلة في هداهم ، فلم يبق إلا الإعراض عنهم والتولي عنهم ، [ فقال : ] { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } وانتظر بهم يوما عظيما وهولا جسيما ، وذلك حين { يدعو الداع } إسرافيل عليه السلام { إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } أي : إلى أمر فظيع تنكره الخليقة ، فلم تر منظرا أفظع ولا أوجع منه ، فينفخ إسرافيل نفخة ، يخرج بها الأموات من قبورهم لموقف القيامة
قوله تعالى : { فتول عنهم } أي : أعرض عنهم نسختها آية القتال . قيل : ها هنا وقف تام . وقيل : { فتول عنهم يوم يدع الداع } أي : إلى يوم يدع الداعي ، قال مقاتل : هو إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس ، { إلى شيء نكر } منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاماً ، قرأ ابن كثير : { نكر } بسكون الكاف ، والآخرون بضمها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فتول عنهم} يعني فأعرض عن كفار مكة إلى {يوم يدع الداع} وهو إسرافيل ينفخ الثانية... {إلى شيء نكر} يعني إلى أمر فظيع...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ): فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين من قومك، الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا: سِحْر مستمرّ، فإنهم يوم يدعو داعي الله إلى موقف القيامة، وذلك هو الشيء النُّكُر...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فتولّ عنهم} يحتمل وجوها: أحدهما: قوله: {فتولّ عنهم} أي أعرض عنهم، ولا تكافئهم بإساءتهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم سلى نبيه بقوله: {فتول عنهم} أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات، قال الرماني المعنى: {فتول عنهم} واذكر {يوم}.
قوله تعالى: {فتول عنهم} قد ذكرنا أن المفسرين يقولون إلى قوله: {تولى} منسوخ، وليس كذلك، بل المراد منه لا تناظرهم بالكلام.
فإن قيل: ما ذلك الشيء النكر؟ نقول: الحساب أو الجمع له أو النشر للجمع، وهذا أقرب، فإن قيل: النشر لا يكون منكرا فإنه إحياء ولأن الكافر من أين يعرف وقت النشر وما يجري عليه لينكره؟ نقول: يعرف ويعلم بدليل قوله تعالى عنهم: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{فتول عنهم} لعلمك بأن الإنذار لا يغني فيهم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي أعرِضْ عن مجادلتهم فإنهم لا تفيدهم النذر كقوله: {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا} [النجم: 29]، أي أنك قد بلّغت فما أنت بمسؤول عن استجابتهم كما قال تعالى: {فتول عنهم فما أنت بملوم} [الذاريات: 54]. وهذا تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتطمين له بأنه ما قَصر في أداء الرسالة. ولا تعلّق لهذه الآية بأحكام قتالهم إذ لم يكن السياق له ولا حدثت دواعيه يومئذٍ فلا وجه للقول بأنها منسوخة. {يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شيء نُّكُرٍ}. استئناف بياني لأن الأمر بالتولّي مؤذن بغضب ووعيد فمن شأنه أن يثير في نفس السامع تساؤلاً عن مجمل هذا الوعيد. وهذا الاستئناف وقع معترضاً بين جملة {ولقد جاءهم من الأنباء} [القمر: 4] وجملة {كذبت قبلهم قوم نوح} [القمر: 9].
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وتعبير {فتول عنهم} لا يعني كما هو المتبادر أن يدع إنذار الناس والمكذبين من الجملة، فهذه مهمة النبي المستمرة، وإنما هو تعبير أسلوبي يتضمن التسلية والتهوين، وقد تكرر بعبارات مماثلة حينما كان يشتد لجاج الكفار والمكذبين مما مرت أمثله منه.
" فتول عنهم أي أعرض عنهم . قيل : هذا منسوخ بآية السيف . وقيل : هو تمام الكلام . " يوم يدع الداعي إلى شيء نكر " العامل في " يوم " " يخرجون من الأجداث " أو " خشعا " أو فعل مضمر تقديره واذكر يوم . وقيل : على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر ، تقديره : فتول عنهم فإن لهم يوم يدعو الداعي . وقيل : تول عنهم يا محمد فقد أقمت الحجة وأبصرهم يوم يدعو الداعي . وقيل : أي أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم ، فإنهم يدعون " إلى شيء نكر " وينالهم عذاب شديد . وهو كما تقول : لا تسأل عما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم . وقيل : أي وكل أمر مستقر يوم يدعوا الداعي . وقرأ ابن كثير " نكر " بإسكان الكاف ، وضمها الباقون ، وهما لغتان كعُسْر وعُسُر وشُغْل وشُغُل ، ومعناه الأمر الفظيع العظيم وهو يوم القيامة . والداعي هو إسرافيل عليه السلام . وقد روي عن مجاهد وقتادة أنهما قرأ " إلى شيء نكر " بكسر الكاف وفتح الراء على الفعل المجهول .
{ فتول عنهم } أي : أعرض عنهم لعلمك أن الإنذار لا ينفعهم .
{ يوم يدع الداع إلى شيء نكر } العامل في يوم مضمر تقديره اذكر أو قوله : { يخرجون } بعد ذلك وليس العامل فيه تول عنهم لفساد المعنى فقد تم الكلام في قوله : { تول عنهم } فيوقف عليه وقيل : المعنى تول عنهم أي : يوم يدع الداع والأول أظهر وأشهر والداعي جبريل أو إسرافيل إذ ينفخ في الصور والشيء النكر الشديد الفظيع وأصله من الإنكار أي : هو منكور لأنه لم ير قط مثله والمراد به يوم القيامة .
ولما كان صلى الله عليه وسلم شديد التعلق بطلب نجاتهم ، فهو لذلك ربما اشتهى إجابتهم إلى مقترحاتهم ، سبب عن ذلك قوله : { فتول عنهم } أي كلف نفسك الإعراض عن ذلك فما عليك إلا البلاغ ، وأما الهداية فإلى الله وحده . ولما بين اقتراب الساعة بالإجابة إلى بعض مقترحاتهم القائمة مقامها كلها بدلالته على القدرة عليها ، وأتبع ذلك الفطم عن طلب الإجابة إلى شيء فيها لأنها لا تغني شيئاً ، تطلعت النفوس الكاملة إلى وصف الساعة فأجاب عن ذلك على سبيل الاستئناف بذكر ظرفها وذكر . . . ما يقع فيه من الأهوال ، فقال معلقاً بما تقديره : الساعة كائنة على وجه الاقتراب الشديد : { يوم يدع } ويجوز - والله أعلم - أن يكون الناصب له { تول } لأنهم لما أعرضوا حين دعاهم كان جزاءهم أن يعرض عنهم يوم حاجتهم إليه لأن الجزاء من جنس العمل ، فكأنه قيل بعد أن عد القيامة أمراً محققاً لا يأتي النزاع فيه : تول عنهم في ذلك اليوم العبوس الذي أنت فيه الشافع المقبول .
. . واتركهم لأهواله ودواهيه ، فقد بان الخاسر فتوليهم إنما يضرهم ، لأن توليهم عنك لا يضرك شيئاً أصلاً ، وتوليك عنهم يضرهم ضرراً ما بعدهم ضرر - والله أعلم ، وحذف واو " يدعو " للرسم بإجماع المصاحف من غير موجب لأن المقام لبيان اقترابها ، فكأنه إشارة إلى كونها بأدنى دعاء ، وأيضاً ففي حذفه تشبيه للخبر بالأمر إشارة إلى أن هذا الدعاء لا بد على أن يكون على أعظم وجه وأتقنه وأهوله وأمكنه كما يكون كل مأمور من الأمر المطاع ، والوقف على هذا وأمثاله بغير واو لجميع القراء موافقة للرسم لأن القاعدة أن ما كان فيها رواية أتبعت وإن خالفت الرسم أو الأصل ، وما لم يرد فيه عن أحد منهم رواية اتبع فيه الرسم وإن خولف الأصل ، لأن التخفيف معهود في كلام العرب كالوال والمتعال من أسمائه الحسنى ، لكن قال علامة القراءات شمس الدين الجزري في كتابه المسمى بالنشر في هذه الأحرف الأربعة : هذا و { يدع الإنسان } في سبحان و { يمح الله الباطل } في شورى و { سندع الزبانية } في العلق : نص الحافظ أبو عمرو الداني عن يعقوب على الوقف عليها بالواو على الأصل ، ثم قال : قلت : وهو من انفراده ، وقد قرأت به من طريقه { الداع } أي النفخ في الصور { إلى شيء نكر * } عظيم الوصف في النكارة بما تكرهه النفوس فتوجل منه القلوب لأنه لا شيء منه إلا وهو خارج عما تقدمه من العادة .