المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

أخذت هذه السورة في تعداد آلاء الله ونعمه ، بادئة بعد ذكر الرحمن بذكر أشرف نعمة : وهي تعليم القرآن الكريم ، ثم سارت الآيات في عرض هذه الآلاء في صورة توضح عظمة خالقها جل شأنه ، وتبرز قدرته وسلطانه على الإنس والجن في السماوات والأرض .

وقد عرضت لعذاب المجرمين المكذبين في جهنم ، وأفاضت في نعيم المتقين في الجنة .

وختمت السورة بتنزيه الله تعالى والثناء عليه .

وقد ذكرت في السورة آية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إحدى وثلاثين مرة على طريقة القرآن الكريم في التكرير المستحسن الذي يقتضيه المقام ، كل واحدة منها تقرع المكذبين على تكذبيهم نعم الله في الآية قبلها .

1 - الرحمن . علَّم الإنسان القرآن ويسَّره له

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن مدنية وآياتها ثمان وسبعون

هذه السورة المكية ذات نسق خاص ملحوظ . إنها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير ، وأعلام بآلاء الله الباهرة الظاهرة ، في جميل صنعه ، وإبداع خلقه ؛ وفي فيض نعمائه ؛ وفي تدبيره للوجود وما فيه ؛ وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم . . وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين : الإنس والجن المخاطبين بالسورة على السواء ، في ساحة الوجود ، على مشهد من كل موجود ، مع تحديهما إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله ، تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصلها ، ويجعل الكون كله معرضا لها ، وساحة الآخرة كذلك .

ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله ، وفي إيقاع فواصلها . . تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى ، وامتداد التصويت إلى بعيد ؛ كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والإنتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار . . الرحمن . . كلمة واحدة . مبتدأ مفردا . . الرحمن كلمة واحدة في معناها الرحمة ، وفي رنتها الإعلان ، والسورة بعد ذلك بيان للمسات الرحمة ومعرض لآلاء الرحمن .

ويبدأ معرض الآلاء بتعليم القرآن بوصفه المنة الكبرى على الإنسان . تسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان .

ثم يذكر خلق الإنسان ، ومنحه الصفة الإنسانية الكبرى . . البيان . .

ومن ثم يفتح صحائف الوجود الناطقة بآلاء الله . . الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء المرفوعة . والميزان الموضوع . والأرض وما فيها من فاكهة ونخل وحب وريحان . والجن والإنس . والمشرقان والمغربان . والبحران بينهما برزخ لا يبغيان ، وما يخرج منهما وما يجري فيهما .

فإذا تم عرض هذه الصحائف الكبار . عرض مشهد فنائها جميعا . مشهد الفناء المطلق للخلائق ، في ظل الوجود المطلق لوجه الله الكريم الباقي . الذي إليه تتوجه الخلائق جميعا ، ليتصرف في أمرها بما يشاء .

وفي ظل الفناء المطلق والبقاء المطلق يجيء التهديد المروع والتحدي الكوني للجن والإنس : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان . فبأي آلاء ربكما تكذبان . يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا . لا تنفذون إلا بسلطان . فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . .

ومن ثم يعرض مشهد النهاية . مشهد القيامة . يعرض في صورة كونية . يرتسم فيها مشهد السماء حمراء سائلة ، ومشهد العذاب للمجرمين ، والثواب للمتقين في تطويل وتفصيل .

ثم يجيء الختام المناسب لمعرض الآلاء : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) . .

إن السورة كلها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير . إعلان ينطلق من الملأ الأعلى ، فتتجاوب به أرجاء الوجود . ويشهده كل من في الوجود وكل ما في الوجود . .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

هذا المطلع المقصود بلفظه ومعناه ، وإيقاعه وموسيقاه .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

بهذا الرنين الذي تتجاوب أصداؤه الطليقة المديدة المدوية في أرجاء هذا الكون ، وفي جنبات هذا الوجود .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

بهذا الإيقاع الصاعد الذاهب إلى بعيد ، يجلجل في طباق الوجود ، ويخاطب كل موجود ؛ ويتلفت على رنته كل كائن ، وهو يملأ فضاء السماوات والأرض ، ويبلغ إلى كل سمع وكل قلب . .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

ويسكت . وتنتهي الآية . ويصمت الوجود كله وينصت ، في ارتقاب الخبر العظيم . بعد المطلع العظيم .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الرحمن

أهداف سورة لرحمن

سورة الرحمن مدنية ، وآياتها 78 آية ، نزلت بعد سورة الرعد

وتتميز سورة الرحمن بجرسها وقصر آياتها وتعاقب الآيات : { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } . فنسمع هذا الرنين الأخاذ ، والإيقاع الصاعد الذاهب إلى بعيد ، والنعم المتعددة بتعليم القرآن ، وخلق الإنسان ، وتعليم البيان . . وكل هذه النعم مصدرها رحمة الرحيم الرحمن ، صاحب الفضل والإنعام ، فإذا استرسلنا في قراءة السورة رأينا حشدا من مظاهر النعم ، وآلاء الله الباهرة الظاهرة في جميل صنعه ، وإبداع خلقه ، وفي فيض نعمائه ، وفي تدبيره للوجود وما فيه ، وتوجيه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم .

وسورة الرحمن إشهاد عام للوجود كله على الثقلين : الإنس والجن ، إشهاد في ساحة الوجود ، على مشهد من كل موجود ، مع تحدٍّ للجن والإنس إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله ، تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصِّّلها ، ويجعل الكون كله معرضا لها ، وساحة الآخرة كذلك .

فبأي آلاء ربكما تكذبان

تكررت هذه الآية في السورة إحدى وثلاثين مرة ، لتذكر الإنس والجن بنعم الله الجزيلة عليهم ، بأسلوب معجز يتحدى بلغاء العرب ، ولاشك أن هذه النعم الضافية التي أسبغها ربهم عليهم ، تستحق من العباد الشكر والإيمان ، لا الكفر والطغيان .

والآلاء جمع إلى وهي النعمة ، أي نعم الله عليكم وافرة ، ترونها أمامكم وخلفكم وفوقكم وتحتكم ، فبأي هذه النعم تكذبان ؟ والخطاب هنا للجن والإنس لتذكيرهما بالأفضال المتلاحقة من الله ، ولا يستطيعان أن يكذبا أو يجحدا أي نعمة من هذه النعم .

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن ردًّا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله : فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان . قالوا : لا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد " .

كما روي أن قيس بن عاصم المنقري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد ، اتل عليّ شيئا مما أنزل عليك ، فتلا عليه سورة الرحمن ، فقال : أعدها ، فأعادها صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وأسفله مغدق ، وأعلاه مثمر ، وما يقول هذا بشر ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .

المعنى الإجمالي للسورة

المنة على الخلق بتعليم القرآن وتلقين البيان ، ولفت أنظارهم إلى صحائف الوجود الناطقة بآلاء الله . . الشمس والقمر ، والنجم والشجر ، والسماء المرفوعة ، والميزان الموضوع ، والأرض وما فيها من فاكهة ونخل وحب وريحان . والجن والإنس ، والمشرقين والمغربين ، والبحرين بينهما برزخ لا يبغيان وما يخرج منهما وما يجري فيهما .

فإذا تم عرض هذه الصحائف الكبار ، عرض مشهد فنائها جميعا ، مشهد الفناء المطلق للخلائق ، في ظل الوجود المطلق لوجه الله الكريم الباقي ، الذي إليه تتوجه الخلائق جميعا ليتصرف في أمرها بما يشاء ، قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } . ( الرحمن : 26-27 )

وفي ظل الفناء المطلق للإنسان ، والبقاء المطلق للرحمن ، يجيء التهديد المروع والتحدي الكوني للجن والإنس ، ومن ثم يعرض مشهد النهاية ، مشهد القيامة يعرض في صورة كونية ، يرتسم فيها مشهد السماء حمراء سائلة ، ومشهد العذاب للمجرمين ، ثم يعرض ألوان الثواب للمتقين ، ويصف الجنة وما فيها من نعيم مقيم أعده الله للمتقين ، ويبين أن منازل الجنات مختلفة ، ونعيمها متفاوت ، والجزاء على قدر العمل .

كل يوم هو في شأن

قال المفسرون : شئون يبديها لا شئون يبتديهاi ، فهو سبحانه صاحب التدبير الذي لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يند عن علمه ظاهر ولا خَافِ ، والخلق كلهم يسألونه ، فهو مناط السؤال ، وغيره لا يسأل ، وهو معقد الرجاء ومظنة الجواب .

وهذا الوجود الذي لا نعرف له حدودا كله منوط بقدره ، متعلق بمشيئته ، وهو سبحانه قائم بتدبيره .

هذا التدبير الذي يتبع ما ينبت ، وما يسقط من ورقة ، وما يكمن من حبة في ظلمات الأرض ، وكل رطب وكل يابس ، يتبع الأسماك في بحارها ، والديدان في مساربها ، والوحوش في أوكارها ، والطيور في أعشاشها ، وكل بيضة وكل فرخ ، وكل خلية في جسم حي .

تفسير النسفي للآية :

في تفسير قوله تعالى : { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } . ( الرحمن : 29 ) ، قال النسفي : يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . . . كل من في السماوات والأرض مفتقرون إليه ، فيسأله أهل السماوات ما يتعلق بدينهم ، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم .

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ : كلَّ وقت وحين يُحدث أمورا ويُجدد أحوالا ، كما روى أنه صلى الله عليه وسلم تلاها ، فقيل له : وما ذلك الشأن ؟ فقال : " من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين " .

وعن ابن عيينة : الدهر عند الله يومان ، أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي ، والإحياء والإماتة ، والإعطاء والمنع . واليوم الآخر هو يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب .

وقيل : نزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شأنا .

وسأل بعض الملوك وزيره عن الآية ، فاستمهله إلى الغد ، وذهب كئيبا يفكر فيها ، فقال غلام له أسود : يا مولاي ، أخبرني ما أصابك ، فأخبره ، فقال الغلام : أنا أفسرها للملك فأعلمه ، فقال : أيها الملك ، شأن الله أنه يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ، ويشفي سقيما ويسقم سليما ، ويبتلي معافى ويعافي مبتلى ، ويعزّ ذليلا ويذل عزيزا ، ويغني فقيرا . فقال الملك : أحسنت ، وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة ، فقال : يا مولاي ، هذا من شأن الله .

وقيل : سوق المقادير إلى المواقيت .

وقيل : إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت عليّ آيات دعوتك لتكشفها لي ، قوله تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ . وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فقال الحسين : كل يوم هو في شأن ، فإنها شئون يبديها لا شئون يبتديهاii ، أي يظهرها لعباده في واقع الناس على وفق ما قدره في الأزل من إحياء وإماتة ، وإعزاز وإذلال ، وإغناء وإعدام ، وإجابة داع وإعطاء سائل ، وغير ذلكiii .

فالناس يسألونه سبحانه بصفة مستمرة ، وهو سبحانه مجيب الدعاء ، بيده الخلق والأمر ، يغير ولا يتغير ، يجير ولا يجار عليه ، يقبض ويبسط ، يخفض ويرفع ، وهو بكل شيء عليم .

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . ( آل عمران 26 )

أنعم الله المتعددة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ( 5 ) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ( 6 ) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ( 7 ) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ( 8 ) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ( 9 ) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ( 10 ) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ( 11 ) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ( 12 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 13 ) }

1

المفردات :

الرحمن : هو الله تعالى ، المنعم بجلائل النعم الدنيوية والأخروية ، وهو اسم من أسماء الله الحسنى .

علَّم القرآن : قدم ذلك ، لأن أصل النعم الدينية وأجلّها هو إنعامه بالقرآن ، وتنزيله وتعليمه ، فإنه أساس الدين .

التفسير :

1 ، 2- { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ } .

اسم الله الرَّحْمَنُ ، معناه أن الرحمة صفة وجودية قديمة ، قائمة بذاته سبحانه وتعالى ، فهو الرحمن ، ورحمته تنتقل إلى عباده فهو رحيم بهم ، وفي سورة الفاتحة : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } . ( الفاتحة : 3 ) . فما أكثر رحمته بعباده ، ومن أجلّ هذه النعم إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، بواسطة جبريل الروح الأمين .

قال تعالى : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } . ( النجم : 5 ) .

وقال سبحانه : { نزل به الروح الأمين*على قلبك لتكون من المنذِرين } . ( الشعراء : 193-194 ) .

ومن أجلِّ النعم إنزال هذا الكتاب على الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد علّمه الله إياه ، وتكفَّل بحفظه في قلبه ، وقراءته على لسانه .

قال تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } . ( القيامة : 16-19 ) .

وقد ادَّعت قريش أن النبي يتعلم القرآن من حداد رومي كان يجلس عنده ، فردّ الله عليهم ، وبيَّن أن الله هو الذي علم محمدا هذا الكتاب ، حيث قال سبحانه : { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ } .

وقال عز شأنه : { وإنّك لتُلقّى القرآن من لدن حكيم عليم } . ( النمل : 6 ) .

وقال عز شأنه : { وما ينطق عن الهوى*إنْ هو إلا وحي يوحى } . ( النجم : 3-4 ) .

فضل القرآن

جعل الله الثواب العظيم في تلاوة القرآن وحفظه ، وتعليمه وتعلّمه ، وقد اشتمل القرآن الكريم على التشريع والعبادات والمعاملات ، والآداب ، وأخبار السابقين ، وقصص المرسلين ، وأخبار القيامة ، وكل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم ، ولذلك كان أعظم المنن : عَلَّمَ الْقُرْآَنَ .

وللمفسرين هنا رأيان :

الأول : أن الله علم القرآن للبشر وللناس حتى يهتدوا بهدى الله ، ومكّن الإنسان من استيعاب هذا الكتاب ، وتلاوته وحفظه وفهم معانيه .

قال تعالى : { ولقد يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } . ( القمر : 17 ) .

أي سهَّلنا تلاوة القرآن وقراءته وفهمه لمن رغب في ذلك ، فهل من متعظ راغب في هذا الخير ؟

الثاني : أن الله علم القرآن لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم تعلّم منه الصحابة ، وتناقل الناس تعليم القرآن عن الصحابة .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، وآياتها ثمان وسبعون

بسم الله الرحمان الرحيم

وتسمى عروس القرآن

{ الرحمان علم القرآن } بدأ سبحانه في معرض الامتنان على عباده بجلائل النعم – بأعظمها شأنا ، وأرفعها مكانا ؛ وهو تعليم رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته القرآن . وهو هدى وشفاء ، وحمة وعصمة ، وأمان ونور للناس في دينهم ودنياهم . وهو أعظم وحي الله إلى أنبيائه ، وأشرفه منزلة عند أوليائه ، وأكثره ذكرا ، وأحسنه في أبواب الدين أثرا . والرحمان : من أسمائه تعالى ؛ وتخصيصه بالذكر هنا للتنبيه إلى أن تعليم القرآن من آثار رحمته الواسعة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن مدنية وآياتها ثمان وسبعون ، نزلت بعد سورة الرعد . هذا قول الجمهور ، ويقول بعض العلماء : إنها مدنية هي وسورة الرعد ، والقرطبي يرجح أنها مكية . واختلفت المصاحف فبعضها يذكر أنها مكية ، وبعضها يذكر أنها مدنية . وهي بقصر آياتها ، ومعالجتها لأصول العقيدة الإسلامية أقرب لأن تكون مكية .

ولسورة الرحمن طابع خاص ، وأسلوب فريد متميز عن سائر السور ،

في رنينها ، وفواصلها وطريقة عرضها لآلاء الله الباهرة ، ونعمه المستفيضة ،

ثم تكرار قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } . وقد تكررت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة على طريقة القرآن الكريم في التكرار المستحسن الذي يقتضيه المقام ، في كل مرة فيها تقريع للمكذبين على تكذيبهم بنعم الله الواردة في الآية التي قبلها .

وقد ورد هذا التكرار في أساليب العرب في الشعر لمهلهِل يرثي أخاه كليبا ، وكذلك للشاعر الفارس الحارث بن عباد وغيرهم . والسورة تتحدى الفصحاء والبلغاء بهذا الأسلوب العجيب . ومع التحدي الواضح للإنس والجن ، فهي تعرض هذا الوجود عرضا سريعا ، وتتحدث عما فيه من مشاهد وعجائب ، ونعم ، عن خلْق الإنسان من صلصال كالفخار ، وخلق الجان من مارج من نار ، وكيف مرج البحرين ، ويخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ، وكيف تسير السفن بقدرته وأمره ، وأن كل من على هذه الأرض فان ، { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } .

وقد بدأت السورة في تعداد نعم الله بعد ذكر أشرف نعمة ، وهي تعليم القرآن الكريم ، ثم سارت توضح عظمة خالق هذا الكون وما فيه من نعم ، وتبرز قدرته وسلطانه على الثقلين : الإنس والجن ، في السموات والأرض . ثم عرضت لعذاب المجرمين المكذبين في جهنم ، وأفاضت في نعيم المتقين في الجنة . وأخيرا ختمت السورة بتنزيه الله تعالى والثناء عليه { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } .

وقد روى البيهقي في الشعب عن علي كرم الله وجهه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لكل شيء عروس ، وعروس القرآن الرحمن .

الرحمن : اسمٌ من أسماء الله الحسنى لا يجوز أن يسمّى به غيره .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

شرح الكلمات :

{ الرحمن } : اسم من أسماء الله تعالى .

/د1

الهداية

من الهداية :

- الرحمن مثل اسم الله لا يصح أن يطلق على غير الرب تبارك وتعالى ، فقال فلان عزيز أو رحيم أو عليم أو حكيم ، ولكن لا يقال رحمان ، كما لا يقال إله أو الإِله أو الله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن

مدنية وآياتها ثمان وسبعون

قوله تعالى : { الرحمن } نزلت حين قالوا : وما الرحمن ؟ وقيل : هو جواب لأهل مكة حين قالوا : إنما يعلمه بشر .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس : إلا آية منها هي قوله تعالى : " يسأله من في السماوات والأرض " [ الرحمن : 29 ] الآية . وهي ست وسبعون آية . وقال ابن مسعود ومقاتل : هي مدنية كلها . والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ، وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود : أنا ، فقالوا : إنا نخشى عليك ، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه ، فأبى ثم قام عند المقام فقال : " بسم الله الرحمن الرحيم . الرحمن . علم القرآن " [ الرحمن :2 ] ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها ، فتأملوا وقالوا : ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه . وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي الصبح بنخلة ، فقرأ سورة " الرحمن " ومر النفر من الجن فأمنوا به . وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة " الرحمن " من أولها إلي آخرها فسكتوا ، فقال : ( لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " [ الرحمن : 13 ] قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ) قال : هذا حديث غريب . وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم . وروي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اتل علي مما أنزل عليك ، فقرأ عليه سورة " الرحمن " فقال : أعدها ، فأعادها ثلاثا ، فقال : والله إن له لطلاوة ، وإن عليه لحلاوة ، وأسفله لمغدق ، وأعلاه مثمر ، وما يقول هذا بشر ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وروي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن ) .

قوله تعالى : " الرحمن ، علم القرآن " قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي : " الرحمن " فاتحة ثلاث سور إذا جمعن كن اسما من أسماء الله تعالى " الر " و " حم " و " ن " فيكون مجموع هذه " الرحمن " .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن

مدنية وآياتها 78 نزلت بعد الرعد

{ الرحمن علم القرآن } هذا تعديد نعمة على من علمه الله القرآن وقيل : معنى علم القرآن جعله علامة وآية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأول أظهر وارتفع الرحمن بالابتداء والأفعال التي بعده أخبار متوالية ويدل على ذلك مجيئها بدون حرف عطف .

   
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

{ الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) }

الرحمن علَّم الإنسان القرآن ؛ بتيسير تلاوته وحفظه وفهم معانيه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية ، وآياتها ثماني وسبعون . وهي تتجلى فيها جملة من السمات التي تفيض عليها بسحائب كثاف من مباهج الجمال ، وروعة البناء والتركيب ، فضلا عن عجائب المضمون والمعنى الذي يتخلل السورة من أولها إلى آخرها .

وفي السورة من عجائب النظم وزاهر النغم والإيحاء ما يثير في نفس القارئ المتدبر أو السامع المتفكر فيضا من التّملي والبهجة مما يشده إلى معاودة التلاوة في تكرار مستديم ، لا تجد فيه النفس شيئا من ملال أو سأم كالذي يقع للمرء في تكرار أيما كتاب آخر . وهذه واحدة من ظواهر الإعجاز في هذا الكتاب الحكيم .

ويتجلى في السورة آية خاصة مميزة مكرورة يقرأها المتدبر باستمرار مستديم ، فلا يسأم أو يضجر أو يعاف ، بل يستأنس ويبهج ويتلذذ مما يجده في نفسه من إيحاء مثير .

على أن السورة مبدوءة باسم أعظم من أسماء الله وهو " الرحمان " وفي ذلك ما لا يخفى من الإشارة إلى رحمة الله الكبرى . الرحمة الواسعة الفضلى التي تتجلى وتتسع لتشمل الكون كله .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ الرحمان 1 علم القرآن 2 خلق الإنسان3 علمه البيان 4 الشمس والقمر بحسبان 5 والنجم والشجر يسجدان 6 والسماء رفعها ووضع الميزان 7 ألا تطغوا في الميزان 8 وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان 9 والأرض وضعها للأنام 10 فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام 11 والحب ذو العصف والريحان 12 فبأي آلاء ربكما تكذبان } .

يعدد الله نعمه على الخلق في السورة كلها . وهي نعم دنيوية وأخروية كثيرة مصدّرة بذكر الرحمان . فهو سبحانه رؤوف بعباده رحيم بالخلق جميعا . والرحمان ، مبتدأ ، وخبره ما بعده من الأفعال مع ضمائرها .

ثم ذكر الله ما هو أصل النعم وأكرمها وأعظمها ، وأشرف ما عرف الكون من حقائق وأشياء ، وذلكم هو القرآن ، وهو قوله : { علم القرآن } .