نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمان{[1]} {[2]}عز وجل وتسمى عروس القرآن{[3]} .

مقصودها الدلالة على ما ختمت به سورة{[4]} القمر من عظيم الملك وتمام الاقتدار بعموم رحمته وسبقها لغضبه ، المدلول عليه بكمال علمه ، اللازم عنه شمول قدرته ، المدلول عليه بتفصيل عجائب مخلوقاته وبدائع مصنوعاته في أسلوب التذكير بنعمائه . والامتنان بجزيل آلائه ، على وجه منتج للعلم بإحاطته بجميع أوصاف الكمال ، فمقصودها{[5]} بالذات إثبات الاتصاف بعموم الرحمة ترغيبا في إنعامه وإحسانه ، وترهيبا من انتقامه بقطع مزيد امتنانه ، وعلى ذلك دل اسمها الرحمن لأنه العام الامتنان واسمها عروس القرآن واضح البيان في ذلك ، لأنها الحاوية لما فيه من حلي وحلل ، وجواهر وكلل ، والعروس بجميع النعم والجمال ، والبهجة من نوعها والكمال ( بسم الله ) الذي ظهرت إحاطة كماله بما ظهر من عجائب مخلوقاته ( الرحمن ) الذي ظهر عموم رحمته بما بهر من بدائع مصنوعاته واشتهر من عظيم آياته وبيناته ( الرحيم ) الذي ظهر اختصاصه لأهل طاعته بما تحققوا به من الذل المفيد للعز بلزوم عباداته .

ولما ختم سبحانه القمر بعظيم الملك وبليغ القدرة ، وكان الملك القادر لا يكمل ملكه إلا بالرحمة ، وكانت رحمته لا تتم إلا بعمومها ، قصر هذه السورة على تعداد نعمه على خلقه في الدارين ، وذلك من{[61774]} آثار الملك ، وفصل فيها ما أجمل في آخر القمر من مقر{[61775]} الأولياء والأعداء في الآخرة ، وصدرها بالاسم الدال على عموم الرحمة براعة للاستهلال ، وموازنة لما حصل بالملك والاقتدار من غاية التبرك والظهور والهيبة والرعب باسم هو مع أنه في غاية الغيب دال على أعظم الرجاء مفتتحاً لها بأعظم النعم وهو تعليم الذكر الذي هز ذوي الهمم العالية في القمر إلى الإقبال عليه بقوله { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } لأنه لما كان للعظمة الدالة{[61776]} عليها نون { يسرنا } التي هي عماد الملك نظران : نظر الكبرياء والجبروت يقتضي أن يتكلم بما يعجز خلقه من كل جهة في الفهم والحفظ والإتيان بمثله وكل معنى من معانيه ، ونظر الإكرام والرحمة ، وكانت رحمته سابقة لغضبه نظر بها لخلقه لا سيما هذه الأمة المرحومة فيسر لها الذكر تحقيقاً للرحمة بعد أن أبقى من آثار الجبروت الإعجاز{[61777]} عن النظر ، ومن الإعجاز من الفهم الحروف المقطعة أوائل السور ، ومنع المتعنت من أن يقول : إنه لا معاني لها بأن فهم بعض{[61778]} الأصفياء بعض أسرارها ، فقال جواباً لمن كأنه قال : من هذا المليك المقتدر ، فقيل : { الرحمان * } أي العام الرحمة ، قال ابن برجان : وهو ظاهر اسمه الله ، وباطن اسمه الرب ، جعل هذه الأسماء الثلاثة في ظهورها مقام الذات يخبر بها عنه وحجاباً بينه وبين خلقه ، يوصل بها الخطاب منه إليهم ، ثم أسماؤه الظاهرة مبينة لهذه الأسماء الثلاثة - انتهى .

ومن مقتضى اسمه { الرحمن } انبثت جميع النعم ، ولذا ذكر في هذه السورة أمهات النعم في الدارين .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[61774]:- من ظ، وفي الأصل: في.
[61775]:- سقط من ظ.
[61776]:- من ظ، وفي الأصل: الدال.
[61777]:- من ظ، وفي الأصل: الإيجاز.
[61778]:- زيد من ظ.