فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن

هي ست وسبعون آية وهي مكية . قال القرطبي : كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر قال : قال ابن عباس إلا آية منها ، وهي قوله : { يسأله من في السموات والأرض } الآية . وقال ابن مسعود ومقاتل هي مدنية كلها ، والأول أصح ، ويدل عليه ما أخرجه النحاس عن ابن عباس قال : نزلت سورة الرحمن بمكة . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : أنزل بمكة سورة الرحمن . وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : نزلت سورة الرحمن علم القرآن بمكة . وأخرج أحمد وابن مردويه . قال السيوطي : بسند حسن عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون «فبأي آلاء ربكما تكذبان » ويؤيد القول الثاني ما أخرجه ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة الرحمن بالمدينة ، ويمكن الجمع بين القولين بأنه نزل بعضها بمكة وبعضها بالمدينة . وأخرج الترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال : «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه . فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا ، فقال : مالي أراكم سكوتاً لقد قرأتها على الجن ليلة الجنّ ، فكانوا أحسن مردوداً منكم كلما أتيت على قوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قالوا : لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد » . قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد . وحكي عن الإمام أحمد أنه كان يستنكر روايته عن زهير . وقال البزار : لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه . وأخرجه البزار وابن جرير وابن المنذر والدارقطني في الإفراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه من حديث ابن عمر وصحح السيوطي إسناده . وقال البزار : لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد . وأخرج البيهقي في الشعب عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لكل شيء عروس ، وعروس القرآن الرحمن » .

قوله : { الرحمن * عَلَّمَ القرءان } ارتفاع الرحمن على أنه مبتدأ وما بعده من الأفعال أخبار له . ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف : أي الله الرحمن .