شيء نكر : منكر فظيع ، والمراد : هول القيامة .
6- { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } .
أي : عليك البلاغ ، وليس عليك الهداية ، فإذا أدّيت واجبك فلا تهتم بهم ، وأعرض عنهم ، وانتظرهم حين ينفخ إسرافيل في الصور ، فيقومون من قبورهم في شدة الهول ، حيث يُدعون إلى الحساب والجزاء وما في ذلك اليوم من الأهوال ، التي لم تألفها النفوس ، ولم تر لها مثيلا في الشدّة .
وليس المراد أن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ والدعوة للمشركين ، بل المراد : بلّغ ما أنزل إليك من ربك ، في تؤدة وحكمة ، ثم اتركهم ، فإن جزاءهم سيأتي حين ينفخ إسرافيل في الصُّور ، وينادي المنادي من قبل الله عز وجل : أيتها الأرواح الباقية ، والأجساد البالية ، والعظام النخرة ، قومي لفصل القضاء ، وحينئذ يقوم الناس لرب العالمين ، حيث يشاهدون أهوال القيامة .
{ يوم يدع الداع } ظرف ل " يخرجون " . والداعي : إسرافيل عليه السلام . وحذفت الواو من " يدع " لفظا لالتقاء الساكنين ، ورسما تبعا للفظ . وحذفت الياء من " الداع " تخفيفا . { إلى شيء نكر } على أمر فظيع عظيم ، تنكره النفوس وتكرهه ؛ لعدم العهد بمثله وهو هول القيامة ، أو لشدته وهو الحساب . والنكر – بضم الكاف وسكونها - : المنكر ؛ كالنكراء . والأمر الشديد .
{ 6-8 } { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : قد بان أن المكذبين لا حيلة في هداهم ، فلم يبق إلا الإعراض عنهم والتولي عنهم ، [ فقال : ] { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } وانتظر بهم يوما عظيما وهولا جسيما ، وذلك حين { يدعو الداع } إسرافيل عليه السلام { إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } أي : إلى أمر فظيع تنكره الخليقة ، فلم تر منظرا أفظع ولا أوجع منه ، فينفخ إسرافيل نفخة ، يخرج بها الأموات من قبورهم لموقف القيامة
قوله تعالى : { فتول عنهم } أي : أعرض عنهم نسختها آية القتال . قيل : ها هنا وقف تام . وقيل : { فتول عنهم يوم يدع الداع } أي : إلى يوم يدع الداعي ، قال مقاتل : هو إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس ، { إلى شيء نكر } منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاماً ، قرأ ابن كثير : { نكر } بسكون الكاف ، والآخرون بضمها .
" فتول عنهم أي أعرض عنهم . قيل : هذا منسوخ بآية السيف . وقيل : هو تمام الكلام . " يوم يدع الداعي إلى شيء نكر " العامل في " يوم " " يخرجون من الأجداث " أو " خشعا " أو فعل مضمر تقديره واذكر يوم . وقيل : على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر ، تقديره : فتول عنهم فإن لهم يوم يدعو الداعي . وقيل : تول عنهم يا محمد فقد أقمت الحجة وأبصرهم يوم يدعو الداعي . وقيل : أي أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم ، فإنهم يدعون " إلى شيء نكر " وينالهم عذاب شديد . وهو كما تقول : لا تسأل عما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم . وقيل : أي وكل أمر مستقر يوم يدعوا الداعي . وقرأ ابن كثير " نكر " بإسكان الكاف ، وضمها الباقون ، وهما لغتان كعُسْر وعُسُر وشُغْل وشُغُل ، ومعناه الأمر الفظيع العظيم وهو يوم القيامة . والداعي هو إسرافيل عليه السلام . وقد روي عن مجاهد وقتادة أنهما قرأ " إلى شيء نكر " بكسر الكاف وفتح الراء على الفعل المجهول .
{ فتول عنهم } أي : أعرض عنهم لعلمك أن الإنذار لا ينفعهم .
{ يوم يدع الداع إلى شيء نكر } العامل في يوم مضمر تقديره اذكر أو قوله : { يخرجون } بعد ذلك وليس العامل فيه تول عنهم لفساد المعنى فقد تم الكلام في قوله : { تول عنهم } فيوقف عليه وقيل : المعنى تول عنهم أي : يوم يدع الداع والأول أظهر وأشهر والداعي جبريل أو إسرافيل إذ ينفخ في الصور والشيء النكر الشديد الفظيع وأصله من الإنكار أي : هو منكور لأنه لم ير قط مثله والمراد به يوم القيامة .