تبارك اسم ربك : تعالى ، أو كثر خيره وإحسانه وتنزه ربنا .
ذي الجلال : العظمة والاستغناء المطلق .
الإكرام : الفضل التام والإحسان .
78- { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } .
تنزَّه وتقدس الله العظيم ، وكثرت خيراته ، وفاضت بركاته .
{ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام }
صاحب العظمة والكبرياء ، والفضل والإنعام .
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألِظّوا بيا ذا الجلال والإكرام " xiv .
أي : الزموا ذكره ، والإلحاح عليه .
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لا يقعد – تعني بعد الصلاة – إلا بقدر ما يقول : " اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " xv .
قال في التسهيل لعلوم التنزيل ما يأتي :
الجنتان المذكورتان أولا للسابقين ، والجنتان المذكورتان ثانيا لأصحاب اليمين .
وانظر كيف جعل أوصاف الجنتين الأوليين أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما ، فقال هناك : فِيهِمَا عَيْنَانِ تجريان .
وقال هنا : فيهما عينان نضاختان . والجري أشد من النضخ .
وقال هناك : فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ .
وقال هنا : فيهما فاكهة ونخل ورمان . والأول أعم وأشمل .
وقال في وصف الحور هناك : كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ .
وقال هنا : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ . وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان ، فالوصف هناك أبلغ إلخ .
خلاصة ما اشتملت عليه سورة الرحمن
الله تعالى صاحب المنن العظام ، وكل ما نراه في الكون من آثار رحمته ، فهو قد خلق السماء والأرض ، والجنة والنار ، وعذب العاصين ، وأثاب المطيعين ، وآتاهم من فضله ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، اللهم احفظ علينا سمعنا وبصرنا وسائر جوارحنا واجعله الوارث منّا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا .
اللهم أكرمنا بالقرآن العظيم ، وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا ، اللهم اجعله لنا دليلا وإماما ، وفي القبر مؤنسا ، وعلى الصراط نورا ، وإلى الجنة هاديا ورفيقا ، اللهم اختم لنا بالإيمان والإسلام ، وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم .
i تفسير النسفي 4/159 ، والمعنى : يظهرها أمام أعين الناس ولا يبتكرها اليوم بل يقضي بوقوعها ، ومن أصول الإيمان أن نؤمن بالقضاء والقدر ، والقضاء : ما وقع أمام الناس ، والقدر : ما قدر الله وقوعه في الأزل .
iv يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي :
رواه مسلم في البر والصلة والآداب ( 2577 ) ، والترمذي في صفة القيامة ( 2459 ) وابن ماجة ( 4275 ) وأحمد ( 5/154 ، 160 ، 177 ) وعبد الرزاق ( 20272 ) من حديث أبي ذر .
رواه البخاري في الصوم ( 1968 ) وفي الأدب ( 6139 ) والترمذي في الزهد ( 2413 ) من حديث أبي جحيفة قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال : كل ، قال : فإني صائم قال : ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال : نم ، فنام ثم ذهب يقوم فقال : نم ، فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق سلمان " . ورواه البخاري في الصوم ( 1974 ، 1975 ) وفي النكاح ( 5199 ) وفي الأدب ( 6134 ) ومسلم في الصيام ( 1159 ) والنسائي في الصيام ( 2391 ) وأحمد في مسنده ( 6828 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ، يعني : " إن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا " ، فقلت : وما صوم داود ؟ قال : " نصف الدهر " . ورواه أبو داود في الصلاة ( 1369 ) وأحمد في مسنده ( 25776 ) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال : " يا عثمان ، أرغبت عن سنتي " ؟ قال : لا والله ولكن سنتك أطلب ، قال : " فإني أنام وأصلي ، وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان ، فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا ، فصم وأفطر ، وصل ونم " .
vi خلقت الملائكة من نور وخلق الجان :
رواه مسلم في الزهد ( 2996 ) وعبد بن حميد في مسنده ( 1477 ) وأحمد في مسنده ( 6/153 ، 168 ) .
vii انظر المنتخب في تفسير القرآن الكريم ، الطبعة العاشرة ، مطابع الأهرام التجارية ص 645 .
viii ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام :
رواه الترمذي في الدعوات ( 3525 ) من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " . وقال : هذا حديث غريب وليس بمحفوظ .
ix يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث :
ذكره الهيثمي في المجمع ( 10/183 ) وعزاه الطبراني في الصغير والأوسط من طريق سلمة بن حرب بن زياد عن أبي مدرك ، عن أنس ، وسلمة بن حرب مجهول كشيخه أبي مدرك وقد وثقه ابن حبان وذكر له هذا الحديث في ترجمته ، وفي الميزان : أبو مدرك قال الدارقطني : متروك فلا أدري هو أبو مدرك هذا أو غيره ، وبقية رجاله ثقات . وانظر : ابن حبان في الثقات ( 6/398 ) ، من حديث أبي هريرة قال : " . . وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم " . أه . وقال : حديث غريب ، وذكره في نفس الباب برقم ( 3446 ) ، من حديث أنس بن مالك قال : كان إذا كربه أمر قال : " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " . أه .
رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4878-4880 ) وفي التوحيد ( 7444 ) ومسلم في الإيمان ( 180 ) وفي الجنة ( 2838 ) والترمذي في صفة الجنة ( 2527 ) وابن ماجة في المقدمة ( 186 ) والدارمي في الرقاق ( 2833 ) وأحمد في مسنده ( 19183 ) من حديث عبد الله بن قيس ( أبي موسى الأشعري ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا ، من كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون ، جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن " .
xi إن المرأة من نساء أهل الجنة :
رواه الترمذي في صفة آهل الجنة ( 2532 ) من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وذلك بأن الله يقول : { كأنهن الياقوت والمرجان } فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لأريته من ورائه " .
xii مختصر تفسير ابن كثير ، المجلد الثالث ص 425 ، تحقيق محمد علي الصابوني .
xiii إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلوة :
رواه مسلم في الجنة ( 2838 ) من حديث عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا " .
تقدم تخريجه ، انظر هامش ( 82 ) .
xv اللهم أنت السلام ومنك السلام :
رواه مسلم في المساجد ( 592 ) من حديث عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " .
قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } قرأ أهل الشام { ذو الجلال } بالواو وكذلك هو في مصاحفهم إجراءً على الاسم .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، حدثنا أبو بكر الجوزي ، أنبأنا أحمد بن حرب ، أنبأنا أبو معاوية الضرير عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة لم يعقد إلا مقدار ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " .
قوله تعالى : " تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام " " تبارك " تفاعل من البركة وقد تقدم{[14605]} . " ذي الجلال " أي العظمة . وقد تقدم " والإكرام{[14606]} " وقرأ عامر " ذو الجلال " بالواو وجعله وصفا للاسم ، وذلك تقوية لكون الاسم هو المسمى . الباقون " ذي الجلال " جعلوا " ذي " صفة ل " ربك " . وكأنه يربد الاسم الذي افتتح به السورة ، فقال : " الرحمن " [ الرحمن : 1 ] فافتتح بهذا الاسم ، فوصف خلق الإنسان والجن{[14607]} ، وخلق السماوات والأرض وصنعه ، وأنه " كل يوم هو في شأن " [ الرحمن : 29 ] ووصف تدبيره فيهم ، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها ، وصفة النار ثم ختمها بصفة الجنان . ثم قال في آخر السورة : " تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام " أي هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة ، كأنه يعلمهم أن هذا كله خرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم وخلقت لكم السماء والأرض والخلق والخليقة والجنة والنار ، فهذا كله لكم من اسم الرحمن فمدح اسمه ثم قال : " ذي الجلال والإكرام " جليل في ذاته ، كريم في أفعال . ولم يختلف القراء في إجراء النعت على الوجه بالرفع في أول السورة ، وهو يدل على أن المراد به وجه الله الذي يلقى المؤمنون عندما ينظرون إليه ، فيستبشرون بحسن الجزاء ، وجميل اللقاء ، وحسن العطاء . والله أعلم .
قوله : { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } { تبارك } أي تعالى وتقدس { ذي الجلال } أي العظمة والكبرياء { والإكرام } أي يكرم أولياءه بما ينعم به عليهم من وجوه النعم في الدنيا والآخرة{[4434]} .