المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

72- وأن أهل الكتاب - في سبيل إضلال المؤمنين - قالوا لإخوانهم : آمنوا بالقرآن الذي نزل على محمد واتبعه فيه المؤمنون أول النهار ، واكفروا في آخره لعلكم تستطيعون بهذا فتنتهم ببث الريب والشك فيهم ، فيرجعون عن دينهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

65

كذلك يعرض بعض المحاولات التي يبذلها فريق من أهل الكتاب لبلبلة الجماعة المسلمة في دينها ، وردها عن الهدى ، من ذلك الطريق الماكر اللئيم :

( وقالت طائفة من أهل الكتاب : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم . . . ) . .

وهي طريقة ماكرة لئيمة كما قلنا . فإن إظهارهم الإسلام ثم الرجوع عنه ، يوقع بعض ضعاف النفوس والعقول وغير المتثبتين من حقيقة دينهم وطبيعته . . يوقعهم في بلبلة واضطراب . وبخاصة العرب الأميين ، الذين كانوا يظنون أن أهل الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب . فإذا رأوهم يؤمنون ثم يرتدون ، حسبوا أنهم إنما ارتدوا بسبب إطلاعهم على خبيئة ونقص في هذا الدين . وتأرجحوا بين اتجاهين فلم يكن لهم ثبات على حال .

وما تزال هذه الخدعة تتخذ حتى اليوم . في شتى الصور التي تناسب تطور الملابسات والناس في كل جيل . .

ولقد يئس أعداء المسلمين أن تنطلي اليوم هذه الخدعة ، فلجأت القوى المناهضة للإسلام في العالم إلى طرق شتى ، كلها تقوم على تلك الخدعة القديمة .

إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين - وأحيانا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين - يحملون أسماء المسلمين ، لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة ! وبعضهم من " علماء " المسلمين !

هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب ، في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة . وتوهين قواعدها من الأساس . والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء . وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق . والدق المتصل على " رجعيتها " ! والدعوة للتلفت منها . وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها ! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها . وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية . وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا ! ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص !

وهم بعد مسلمون ! أليسوا يحملون أسماء المسلمين ؟ وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار . وبهذه المحاولات المجرمة يكفرون آخره . . ويؤدون بهذه وتلك دور أهل الكتاب القديم . لا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَقَالَتْ طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالّذِيَ أُنْزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }

اختلف أهل التأويل في صفة المعنى الذي أمرت به هذه الطائفة من أمرت به من الإيمان وجه النهار ، والكفر آخره ، فقال بعضهم : كان ذلك أمرا منهم إياهم بتصديق النبيّ صلى الله عليه وسلم في نبوّته ، وما جاء به من عند الله وأنه حقّ ، في الظاهر من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك ، وبالكفر به وجحود ذلك كله في آخره . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ عَلى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرُهُ } فقال بعضهم لبعض : أعطوهم الرضا بدينهم أوّل النهار ، واكفروا آخره ، فإنه أجدر أن يصدّقوكم ، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون ، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك في قوله : { آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ على الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَه } قال : قالت اليهود : آمنوا معهم أوّل النهار ، واكفروا آخره ، لعلهم يرجعون معكم .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْزِلَ على الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } كان أحبار قرى عَرَبِيّة اثني عشر حبرا ، فقالوا لبعضهم : ادخلوا في دين محمد أول النهار ، وقولوا نشهد أن محمدا حقّ صادق ، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا : إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبرانا فسألناهم ، فحدثونا أن محمدا كاذب ، وأنكم لستم على شيء ، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم ، لعلهم يشكون ، يقولون : هؤلاء كانوا معنا أوّل النهار ، فما بالهم ؟ فأخبر الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حصين ، عن أبي مالك الغفاري ، قال : قالت اليهود بعضهم لبعض : أسلموا أوّل النهار ، وارتدّوا آخره ، لعلهم يرجعون . فأطلع الله على سرّهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ عَلى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } .

وقال آخرون : بل الذي أمرت به من الإيمان : الصلاة ، وحضورها معهم أوّل النهار ، وترك ذلك آخره . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ { آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ على الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ } يهود تقوله صلت مع محمد صلاة الصبح ، وكفروا آخر النهار مكرا منهم ، ليرُوا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بمثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ على الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ } . . . الاَية . وذلك أن طائفة من اليهود قالوا : إذا لقيتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أول النهار فآمنوا ، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون : هؤلاء أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ، لعلهم ينقلبون عن دينهم ، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم .

فتأويل الكلام إذا : وقالت طائفة من أهل الكتاب ، يعني من اليهود الذي يقرءون التوراة : { آمِنُوا } صدّقوا بالذي أنزل على الذين آمنوا ، وذلك ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين الحقّ وشرائعه وسننه . { وَجْهَ النّهارِ } يعني أوّل النهار ، وسمي أوله وجها له لأنه أحسنه ، وأوّل ما يواجه الناظر فيراه منه ، كما يقال لأوّل الثوب وجهه ، وكما قال ربيع بن زياد :

مَنْ كانَ مَسْرُورا بِمَقْتَلِ مالِكٍ *** فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهارِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَجْهَ النّهارِ } : أوّل النهار .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وَجْهَ النّهارِ } : أول النهار { وَاكْفُرُوا آخِرَهُ } يقول : آخر النهار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { آمِنُوا بالّذِي أُنْزِلَ عَلى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ } قال : قال صلوا معهم الصبح ، ولا تصلوا معهم آخر النهار ، لعلكم تستزلونهم بذلك .

وأما قوله : { وَاكْفُرُوا آخِرَهُ } فإنه يعني به أنهم قالوا : واجحدوا ما صدّقتم به من دينهم في وجه النهار في آخر النهار { لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } : يعني بذلك : لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويدعونه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } يقول : لعلهم يدعون دينهم ، ويرجعون إلى الذي أنتم عليه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } : لعلهم ينقلبون عن دينهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } لعلهم يشكون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } قال : يرجعون عن دينهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

عطف على { ودت طائفة } [ آل عمران : 69 ] . فالطائفة الأولى حاوَلت الإضلال بالمجاهرة ، وهذه الطائفة حاولتْه بالمخادعة : قيل أشير إلى طائفة من اليهود منهم كَعْب بن الأشْرَف ، ومالك بن الصيف ، وغيرهما من يهود خيبر ، أغواهم العجب بدينهم فتوهموا أنهم قدوة للناس فلما أعيتهم المجاهرة بالمكابرة دبروا للكيد مكيدة أخرى ، فقالوا لطائفة من أتباعهم : « آمِنوا بمحمد أولَ النهار مظهرين أنكم صدّقتموه ثم اكفُروا آخر النهار ليظهر أنكم كفرتم به عن بصيرة وتجربة فيقول المسلمون مَا صرف هؤلاء عنا إلاّ ما انكشف لهم من حقيقة أمر هذا الدين ، وأنّه ليس هو الدين المبشر به في الكتب السالفة » ففعلوا ذلك .

وقوله : { على الذين آمنوا } يحتمل أنه من لفظ الحكاية بأن يكون اليهود قالوا آمِنوا بالذي أنزل على أتباع محمد فحوّله الله تعالى فقال على الذين آمنوا تنويهاً بصدق إيمانهم . ويحتمل أنه من المحكيّ بأن يكون اليهود أطلقوا هذه الصلة على أتباع محمد إذ صارت علماً بالغلبة عليهم . ووجهُ النهار أوله وتقدم آنفاً عند قوله تعالى : { وجيهاً في الدنيا والآخرة } [ آل عمران : 45 ] .