التفسير : هذا نوع آخر من تلبيساتهم . وقوله { بالذي أنزل } يحتمل أن يراد كل ما أنزل الله عليهم ، ويحتمل أن يراد بعض ما أنزل . أما الاحتمال الأول فقول الحسن والسدي تواطأ اثنا عشر حبراً من يهود خيبر وقرى عرينة وقال بعضهم لبعض : ادخلوا في دين محمد باللسان دون الاعتقاد { وجه النهار } أي أوله . والوجه في اللغة مستقبل كل شيء ومنه وجه الثوب لأول ما يبدو منه . روى ثعلب عن ابن الأعرابي : أتيته بوجه نهار وصدر نهار وشباب نهار . وأنشد الربيع بن زياد :
من كان مسروراً بمقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه *** قد قمن قبل تبلج الأسحار
وذلك أنه كان من عادتهم أن لا يظهروا الجزع على المقتول إلى أن يدركوا الثأر . فمعنى البيت من كان مسروراً فليرَ أثر تشفي الغيظ ودرك الثأر قبل أن يمضي على المقتول تمام يوم وليلة . واكفروا به آخر النهار وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمداً ليس بذلك ، فإن أصحابه متى شاهدوا هذا غلب على ظنونهم أن هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد وإلا لما آمنوا به في أول الأمر ، وإنما ذلك لأمر لأجل أنهم أهل كتاب وقد تفكروا في أمره وفي دلائل نبوته ، فلاح لهم بعد التأمل التام والبحث الشافي أنه كذاب فيكون في هذا الطريق تشكيك لضعفة المسلمين فربما يرجعون عن دينهم .
وقال أبو مسلم : معنى وجه النهار وآخره أن رؤساء اليهود والنصارى قال بعضهم لبعض : نافقوا وأظهروا الوفاق للمؤمنين ولكن بشرط أن تثبتوا على دينكم إذا خلوتم بإخوانكم من أهل الكتاب ، فإن أمر هؤلاء في اضطراب فزجوا الأيام معهم بالنفاق فربما ضعف أمرهم واضمحل دينهم فيرجعوا إلى دينكم ، فتكون هذه الآية كقوله :{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم }[ البقرة : 14 ] . وقال الأصمْ : معناه تفريق أحكام الإسلام إلى قسمين ، وذلك أنه قال بعضهم لبعض : إن كذبتموه في جميع ما جاء به علم عوامكم كذبكم لأن كثيراً مما جاء به حق ، ولكن صدقوه في بعض وكذبوه في بعض ليحملوا كلامكم على الإنصاف فيقبلوا قولكم ويرجعوا عن دين الإسلام والرغبة فيه . وأما الاحتمال الثاني فقول من قال إنها نزلت في شأن القبلة ثم اختلفوا . فعن ابن عباس : وجه النهار أوله وهو صلاة الصبح ، وآخره صلاة الظهر . وتقريره أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس ففرح اليهود بذلك ، فلما حوّله الله إلى الكعبة عند صلاة الظهر قال كعب بن الأشرف وغيره : آمنوا بالقبلة التي صلى إليها صلاة الصبح فهي الحق . وقال مجاهد ومقاتل والكلبي : لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود لمخالفتهم فقالوا : آمنوا بالذين أنزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها من أول النهار ، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة لعلهم يقولون : هؤلاء أهل كتاب وهم أعلم منا فربما يرجعون إلى قبلتنا ، فحذر الله نبيه مكر هؤلاء وأطلعه على سرهم كيلا تؤثر الحيلة في قلوب ضعفاء المؤمنين . ولأن القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة لم يقدموا على أمثالها من الحيل ويصير ذلك وازعاً لهم . وفيه أيضاً أنه إخبار عن الغيب فيكون معجزاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.