الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

وقوله تعالى : { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب ءامِنُواْ بالذي أُنزِلَ عَلَى الذين ءامَنُواْ وَجْهَ النهار . . . } [ آل عمران :72 ] .

أخبر اللَّه سبحانه في هذه الآيةِ أنَّ طائفة من اليهودِ مِنْ أحبارهم ذهَبَتْ إلى خديعة المسلمين بهذا المَنْزَع ، قال قتادة ، وغيره : قال بَعْضُ الأحبار : لنظهر الإيمان بمحمَّد صَدْر النَّهار ، ثم لنكْفُر به آخر النهار ، فسيقول المُسْلِمُون عنْد ذلك : ما بَالُ هؤلاءِ كَانُوا مَعَنا ثم انصرفوا عَنَّا ، ما ذاك إِلاَّ لأنهم انكشفت لهم حقيقةٌ في الأمر ، فيشكُّون ولعلَّهم يَرْجِعُون عن الإِيمان بمحمَّد ، قال الإِمام الفَخْر : وفي إِخبار اللَّه تعالى عن تواطئهم على هذه الحِيلَةِ من الفائدة وجوهٌ :

الأولُ : أنَّ هذه الحِيلَةَ كَانَتْ مخفيَّةً فيما بينهم ، فلما أَخْبَرَ بها عنهم ، كان إخباراً بمغيَّب ، فيكون مُعْجِزاً .

الثاني : أنه تعالى ، لما أطْلَعَ المؤمنينَ على تواطئهم على هذه الحيلة ، لَمْ يحصل لهذه الحيلة أثرٌ في قلوب المؤمنين ، ولولا هذا الإِعلام ، لأمكن تأثيرها في قَلْب من ضَعُفَ إِيمانه .

الثالث : أنَّ القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة ، صار ذلكَ رَادِعاً لهم عن الإِقدام على أمثالها من الحِيَلِ والتَّلْبِيسِ ، اه .