المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

6- يوم يقوم الناس لأمر رب العالمين وقضائه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

ثم تعجب الآيات الثلاثة التالية من أمر المطففين ، الذين يتصرفون كأنه ليس هناك حساب على ما يكسبون في الحياة الدنيا ؛ وكأن ليس هناك موقف جامع بين يدي الله في يوم عظيم يتم فيه الحساب والجزاء أمام العالمين : ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .

والتصدي لشأن المطففين بهذا الأسلوب في سورة مكية أمر يلفت النظر . فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقيدة الكلية : كتقرير وحدانية الله ، وانطلاق مشيئته ، وهيمنته على الكون والناس . . . وكحقيقة الوحي والنبوة . . وكحقيقة الآخرة والحساب والجزاء . مع العناية بتكوين الحاسة الأخلاقية في عمومها ، وربطها بأصول العقيدة . أما التصدي لمسألة بذاتها من مسائل الأخلاق - كمسألة التطفيف في الكيل والميزان - والمعاملات بصفة عامة ، فأمر جاء متأخرا في السورة المدنية عند التصدي لتنظيم حياة المجتمع في ظل الدولة الإسلامية ، وفق المنهج الإسلامي ، الشامل للحياة . .

ومن ثم فإن التصدي لهذا الأمر بذاته في هذه السورة المكية أمر يستحق الانتباه . وهو يشي بعدة دلالات متنوعة ، تكمن وراء هذه الآيات القصار . .

إنه يدل أولا على أن الإسلام كان يواجه في البيئة المكية حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء ، الذين كانوا في الوقت ذاته هم أصحاب التجارات الواسعة ، التي تكاد تكون احتكارا . فقد كانت هنالك أموالا ضخمة في أيدي هؤلاء الكبراء يتجرون بها عن طريق القوافل في رحلتي الشتاء والصيف إلى اليمن وإلى الشام . كما افتتحوا أسواقا موسمية كسوق عكاظ في موسم الحج ، يقومون فيها بالصفقات ويتناشدون فيها الأشعار !

والنصوص القرآنية هنا تشي بأن المطففين الذين يتهددهم الله بالويل ، ويعلن عليهم هذه الحرب ، كانوا طبقة الكبراء ذوي النفوذ ، الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون . فهم يكتالون ( على الناس ) . . لا من الناس . . فكأن لهم سلطانا على الناس بسبب من الأسباب ، يجعلهم يستوفون المكيال والميزان منهم استيفاء وقسرا . وليس المقصود هو أنهم يستوفون حقا . وإلا فليس في هذا ما يستحق إعلان الحرب عليهم . إنما المفهوم أنهم يحصلون بالقسر على أكثر من حقهم ، ويستوفون ما يريدون إجبارا . فإذا كالوا للناس أو وزنوا كان لهم من السلطان ما يجعلهم ينقصون حق الناس ، دون أن يستطيع هؤلاء منهم نصفة ولا استيفاء حق . . ويستوي أن يكون هذا بسلطان الرياسة والجاه القبلي . أو بسلطان المال وحاجة الناس لما في أيديهم منه ؛ واحتكارهم للتجارة حتى يضطر الناس إلى قبول هذا الجور منهم ؛ كما يقع حتى الآن في الأسواق . . فقد كانت هناك حالة من التطفيف صارخة استحقت هذه اللفتة المبكرة .

كما أن هذه اللفتة المبكرة في البيئة المكية تشي بطبيعة هذا الدين ؛ وشمول منهجه للحياة الواقعية وشؤونها العملية ؛ وإقامتها على الأساس الأخلاقي العميق الأصيل في طبيعة هذا المنهج الإلهي القويم . فقد كره هذه الحالة الصارخة من الظلم والانحراف الأخلاقي في التعامل . وهو لم يتسلم بعد زمام الحياة الاجتماعية ، لينظمها وفق شريعته بقوة القانون وسلطان الدولة . وأرسل هذه الصيحة المدوية بالحرب والويل على المطففين . وهم يومئذ سادة مكة ، أصحاب السلطان المهيمن - لا على أرواح الناس ومشاعرهم عن طريق العقيدة الوثنية فحسب ، بل كذلك على اقتصادياتهم وشؤون معاشهم . ورفع صوته عاليا في وجه الغبن والبخس الواقع على الناس وهم جمهرة الشعب المستغلين لكبرائه المتجرين بأرزاقه ، المرابين المحتكرين ، المسيطرين في الوقت ذاته على الجماهير بأوهام الدين ! فكان الإسلام بهذه الصيحة المنبعثة من ذاته ومن منهجه السماوي موقظا للجماهير المستغلة . ولم يكن قط مخدرا لها حتى وهو محاصر في مكة ، بسطوة المتجبرين ، المسيطرين على المجتمع بالمال والجاه والدين !

ومن ثم ندرك طرفا من الأسباب الحقيقية التي جعلت كبراء قريش يقفون في وجه الدعوة الإسلامية هذه الوقفة العنيدة . فهم كانوا يدركون - ولا ريب - أن هذا الأمر الجديد الذي جاءهم به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ليس مجرد عقيدة تكمن في الضمير ، ولا تتطلب منهم إلا شهادة منطوقة ، بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وصلاة يقيمونها لله بلا أصنام ولا أوثان . . كلا . لقد كانوا يدركون أن هذه العقيدة تعني منهجا يحطم كل أساس الجاهلية التي تقوم عليها أوضاعهم ومصالحهم ومراكزهم . وأن طبيعة هذا المنهج لا تقبل مثنوية ولا تلتئم مع عنصر أرضي غير منبثق من عنصرها السماوي ؛ وأنها تهدد كل المقومات الأرضية الهابطة التي تقوم عليها الجاهلية . . ومن ثم شنوا عليها تلك الحرب التي لم تضع أوزارها لا قبل الهجرة ولا بعدها . الحرب التي تمثل الدفاع عن أوضاعهم كلها في وجه الأوضاع الإسلامية . لا عن مجرد الاعتقاد والتصور المجردين . .

والذين يحاربون سيطرة المنهج الإسلامي على حياة البشر في كل جيل وفي كل أرض يدركون هذه الحقيقة . يدركونها جيدا . ويعلمون أن أوضاعهم الباطلة ، ومصالحهم المغتصبة ، وكيانهم الزائف . . وسلوكهم المنحرف . . هذه كلها هي التي يهددها المنهج الإسلامي القويم الكريم !

والطغاة البغاة الظلمة المطففون - في أية صورة من صور التطفيف في المال أو في سائر الحقوق والواجبات - هم الذين يشفقون أكثر من غيرهم من سيطرة ذلك المنهج العادل النظيف ! الذي لا يقبل المساومة ، ولا المداهنة ، ولا أنصاف الحلول ?

ولقد أدرك ذلك الذين بايعوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من نقباء الأوس والخزرج بيعة العقبة الثانية قبل الهجرة : قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف : يا معشر الخزرج . هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ? قالوا : نعم . قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس . فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن ! فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة . وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة ، قالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف . فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ? قال : " الجنة " . . قالوا : ابسط يدك . فبسط يده فبايعوه .

فقد أدرك هؤلاء - كما أدرك كبراء قريش من قبل - طبيعة هذا الدين . وأنه قائم كحد السيف للعدل والنصفة وإقامة حياة الناس على ذلك ، لا يقبل من طاغية طغيانا ، ولا من باغ بغيا ، ولا من متكبر كبرا . ولا يقبل للناس الغبن والخسف والاستغلال . ومن ثم يحاربه كل طاغ باغ متكبر مستغل ؛ ويقف لدعوته ولدعاته بالمرصاد .

( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .

وإن أمرهم لعجيب . فإن مجرد الظن بالبعث لذلك اليوم العظيم .

يوم يقوم الناس متجردين لرب العالمين ، ليس لهم مولى يومئذ سواه ، وليس بهم إلا التطلع لما يجريه عليهم من قضاء ، وقد علموا أن ليس لهم من دونه ولي ولا نصير . . إن مجرد الظن بأنهم مبعوثون لذلك اليوم كان يكفي ليصدهم عن التطفيف ، وأكل أموال

الناس بالباطل ، واستخدام السلطان في ظلم الناس وبخسهم حقهم في التعامل . . ولكنهم ماضون في التطفيف كأنهم لا يظنون أنهم مبعوثون ! وهو أمر عجيب ، وشأن غريب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأوّل المخفوض ، ولكنه لما لم يعد عليه اللام ، ردّ إلى مبعوثون ، فكأنه قال : ألا يظنّ أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس ؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض ، لأنها إضافة غير محضة ، ولو خفض ردّا على اليوم الأوّل لم يكن لحنا ، ولو رفع جاز ، كما قال الشاعر :

وكُنْتُ كَذي رِجْلَينِ : رِجلٍ صَحِيحةٍ *** وَرِجْلٍ رَمى فِيها الزّمانُ فَشُلّتِ

وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة ، حتى يُلْجِمَهم العرق ، فبعض يقول : مقدار ثلاث مئة عام ، وبعض يقول : مقدار أربعين عاما . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يقوم أحدكم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ النّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللّهِ ، حتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ الرّحْمَنِ » ، ثم ذكر مثله .

حدثني محمد بن خَلَف العَسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرّشْحُ إلى أنْصَافِ آذانِهِمْ » .

حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح ، قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ » : «يَومَ الْقِيامَةِ ، حتى يَغِيبَ أحَدهُمُ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة بن سعيد ، عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ قال : يقومون مئة سنة .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، حّتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرّجُلَ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حدثنا ابن المثنى وابن وكيع ، قالا : حدثنا يحيى ، عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتّى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .

حدثني محمد بن إبراهيم السّلِيْميّ المعروف بابن صدران ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد السلام بن عجلان ، قال : حدثنا يزيد المدني ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغِفَاريّ : «كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ أيّامِ الدّنيْا ، لا يأتِيهِمْ خَبرٌ مِنَ السّماءِ ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ؟ » قال بشير : المستعان الله يا رسول الله ، قال : «إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَتَعَوّذْ باللّهِ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَسُوءِ الْحِسابِ » .

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يمكثون أربعين عاما رافعي رؤوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر ، قال : فينادي منادٍ : أليس عدلاً من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم ، ثم رزقكم ، ثم توليتم غيره ، أن يولّي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ قالوا : بلى . ثم ذكر الحديث بطوله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكْن ، قال : حدث عبد الله ، وهو عند عمر يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، ولا يكلّمهم بشر أربعين عاما ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العالَمِينَ قال : ذُكر لنا أن كعبا كان يقول : يقومون ثلاث مئة سنة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وسعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : كان كعب يقول : يقومون مقدار ثلاث مئة سنة .

قال : قتادة : وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ ، قال : بلغني أن يوم القيامة يَقْصُر على المؤمن ، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة .

قال : ثنا مهران ، قال : حدثنا العمريّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُ الرّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيهِ » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

قال يعقوب ، قال إسماعيل : قلت لابن عون : ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؟ قال : نَعَمْ إنْ شاءَ اللّهُ .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ ، حتى إنّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْفِ أُذُنَيْهِ » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

يوم يقوم الناس نصب بمبعوثون أو بدل من الجار والمجرور ويؤيده القراءة بالجر لرب العالمين لحكمه وفي هذا الانكار والتعجيب وذكر الظن ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله والتعبير عنه برب العالمين مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

و { يوم يقوم الناس لرب العالمين } بدل من « يوم عظيم » بدلاً مطابقاً وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } في سورة الانفطار ( 19 ) على قراءة الجمهور ذلك بالفتح .

ومعنى { يقوم الناس } أنهم يكونون قياماً ، فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة .

واللام في { لرب العالمين } للأجل ، أي لأجل ربوبيته وتلقي حكمه .

والتعبير عن الله تعالى بوصف « رب العالمين » لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات .

واللام في { العالمين } للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة .

قال في « الكشاف » « وفي هذا الإِنكار ، والتعجيب ، وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته ب« رب العالمين » بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإِثم في التطفيف وفيما كان مثل حالهِ من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية » اه .

ولما كان الحامل لهم على التطفيف احتقارهم أهل الجَلب من أهل البوادي فلا يقيمون لهم ما هو شعار العدل والمساواة ، كان التطفيف لذلك منبئاً عن إثم احتقار الحقوق ، وذلك قد صار خلقاً لهم حتى تخلقوا بمكابرة دعاة الحق ، وقد أشار إلى هذا التنويه به قوله تعالى : { والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } [ الرحمن : 7 9 ] وقولُه حكاية عن شعيب : { وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ الشعراء : 182 ، 183 ] .