المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

109- لا يستوي في عقيدته ولا في عمله من أقام بنيانه على الإخلاص في تقوى اللَّه وابتغاء رضائه ، ومن أقام بنيانه على النفاق والكفر ، فإن عمل المتقى مستقيم ثابت على أصل متين ، وعمل المنافق كالبناء على حافة هاوية ، فهو واه ساقط ، يقع بصاحبه في نار جهنم ، واللَّه لا يهدى إلى طريق الرشاد من أصر على ظلم نفسه بالكفر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

ثم فاضل بين المساجد بحسب مقاصد أهلها وموافقتها لرضاه فقال : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ْ } أي : على نية صالحة وإخلاص { وَرِضْوَانٌ ْ } بأن كان موافقا لأمره ، فجمع في عمله بين الإخلاص والمتابعة ، { خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا ْ } أي : على طرف { جُرُفٍ هَارٍ ْ } أي : بال ، قد تداعى للانهدام ، { فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ْ } لما فيه مصالح دينهم ودنياهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

تفريع على قوله : { لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } [ التوبة : 108 ] لزيادة بيان أحقية المسجد المؤسَّس على التقوى بالصلاة فيه .

وبيان أن تفضيل ذلك المسجد في أنه حقيق بالصلاة فيه تفضيل مسلوب المشاركة لأن مسجد الضرار ليس حقيقاً بالصلاة فيه بعد النهي ، لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لو وقعت لأكسبت مَقصدَ وَاضعيه رواجاً بين الأمة وهو غرضهم التفريق بين جماعات المسلمين كما تقدم .

والفاء مؤخرة عن همزة الاستفهام لأحقية حرف الاستفهام بالتصدير . والاستفهام تقريري .

والتأسيس : بناءُ الأساس ، وهو قاعدة الجدار المبني من حجر وطين أو جص .

والبنيان في الأصل مصدر بوزن الغُفران والكفران ، اسم لإقامة البيت ووضعه سواء كان البيت من أثواب أم من أدم أم كان من حجر وطين فكل ذلك بناء . ويطلق البنيان على المبني من الحجر والطين خاصة . وهو هنا مطلق على المفعول ، أي المبني . وما صدق ( من ) صاحبُ البناء ومستحقه ، فإضافة البنيان إلى ضمير ( مَن ) إضافة على معنى اللام . وشُبه القصد الذي جعل البناء لأجله بأساس البناء ، فاستعير له فعل { أسس } في الموضعين .

ولما كان من شأن الأساس أن تطلب له صلابة الأرض لدوامه جعلت التقوى في القصد الذي بني له أحد المسجدين ، فشبهت التقوى بما يرتكز عليه الأساس على طريقة المكنية ، ورُمز إلى المشبه به المحذوف بشيء من ملائماته وهو حرف الاستعلاء . وفُهم أن هذا المشبه به شيء راسخ ثابت بطريق المقابلة في تشبيه الضد بما أسس على شفاً جُرُف هار ، وذلك بأن شبه المقصد الفاسد بالبناء بجرْف جُرف منهار في عدم ثبات ما يقام عليه من الأساس بله البناء على طريقة الاستعارة التصريحية . وحرف الاستعلاء ترشيح .

وفرع على هذه الاستعارة الأخيرة تمثيل حالة هدمه في الدنيا وإفضائه ببانيه إلى جهنم في الآخرة بانهيار البناء المُؤسس على شفَا جُرف هارَ بساكنه في هوّة . وجعل الانهيار به إلى نار جهنم إفضاء إلى الغاية من التشبيه . فالهيئة المشبهة مركبة من محسوس ومعقول وكذلك الهيئة المشبه بها . ومقصود أن البنيان الأول حصل منه غرض بانيه لأن غرض الباني دوام ما بناه . فهم لما بنوه لقصد التقوى ورضى الله تعالى ولم يُذكر ما يقتضي خيبتهم فيه كما ذُكر في مقابله عُلم أنهم قد اتقوا الله بذلك وأرضوه ففازوا بالجنة ، كما دلت عليه المقابلة ، وأن البنيان الثاني لم يَحصل غرضُ بانيه وهو الضرار والتفريق فخابوا فيما قصدوه فلم يثبت المقصد ، وكان عدم ثباته مفضياً بهم إلى النار كما يفضي البناء المنهار بساكنه إلى الهلاك .

والشَّفا بفتح الشين وبالقصر : حرف البئر وحرف الحفرة .

والجُرف بضمتين : جانب الوادي وجانب الهُوة .

وهارٍ : اسم مشتق من هَارَ البناءُ إذا تصدع ، فقيل : أصله هَوَر بفتحتين كما قالوا خَلَف في خالف . وليست الألف التي بعد الهاء ألف فاعل بل هي عين الكلمة منقلبة عن الواو لأن الواو متحركة وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ، وقيل هو اسم فاعل من هار البناء وأصل وزنه هاور ، فوقع فيه قلب بين عينه ولامه تخفيفاً . وقد وقع ذلك في ألفاظ كثيرة من اللغة مثل قولهم : شاكي السلاح ، أصله شائِك . ورجل صاتٌ عالي الصوت أصله صائتٌ . ويدل لذلك قولهم : انهار ولم يقولوا انهرى . وهَرٍ مبالغةً في هَار .

وقرأ نافع وابن عامر وحدهما فعل { أسس } في الموضعين بصيغة البناء للمفعول ورفع { بنيانُه } في الموضعين . وقرأها الباقون بالبناء للفاعل ونصب { بنيانَه } في الموضعين .

وقرأ الجمهور { جُرُف } بضم الراء . وقرأه ابن عامر وحمزة وأبو بكر عن عاصم وخلفٌ بسكون الراء .

وجملة : { والله لا يهدي القوم الظالمين } تذييل ، وهو عام يشمل هؤلاء الظالمين الذين بنوا مسجد الضرار وغيرهم .