قوله تعالى : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } : قرأ نافع وابن عامر : " أُسِّس " مبنياً للمفعول ، " بنيانُه " / بالرفع لقيامه مقام الفاعل . والباقون " أَسَّس " مبنياً للفاعل " بنيانه " مفعول به ، والفاعل ضمير مَنْ . وقرأه عمارة ابن عائذ الأول مبنياً للمفعول ، والثاني مبنياً للفاعل ، و " بنيانُه " مرفوع على الأولى ومنصوب على الثانية لِما تقدم . وقرأ نصر بن علي ونصر بن عاصم " أُسُسُ بنيانِه " . وقرأ أبو حيوة والنصران أيضاً " أَساسُ بنيانِه " جمع أُسّ ، وروي عن نصر بن عاصم أيضاً " أَسُّ " بهمزة مفتوحة وسين مشددة مضمومة . وقرىء " إساس " بالكسر وهي جموع أضيفت إلى البنيان . وقرىء " أساس " بفتح الهمزة ، و " أُسّ " بضم الهمزة وتشديد السين ، وهما مفردان أضيفا إلى البنيان . ونقل صاحب كتاب " اللوامح " فيه " أَسَسُ " بالتخفيف ورفع السين ، " بنيانِه " بالجر ، فَأَسَسٌ مصدر أسَّ يؤسُّه أَسَسَاً وأسَّاً فهذه عشر قراءات .
والأُسُّ والأَساس القاعدة التي بُني عليها الشيء ، ويقال : " كان ذلك على أُسِّ الدهر " كقولهم : " على وجه الدهر " ، ويقال : أَسَّ مضعَّفاً أي : جَعَلَ له أساساً ، وآسَسَ بزنة فاعَل .
والبُنْيان فيه قولان ، أحدهما : أنه مصدر كالغفران والشكران ، وأُطْلِق على المفعول كالخَلْق بمعنى المخلوق . والثاني : أنه جمعٌ وواحدُه بُنْيانة قال الشاعر :
2545 كبُنْيانةِ القاريِّ مَوْضِعُ رَحْلِها *** وآثارُ نَسْعَيْها مِنَ الدَّقِّ أَبْلَقُ
يعنون أنه اسم جنس كقمح وقمحة .
قوله : { عَلَى تَقْوَى } يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أنه متعلقٌ بنفس " أَسَّس " فهو مفعوله في المعنى . والثاني : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالُ من الضميرِ المستكنِّ في " أَسَّسَ " أي : قاصداً ببنيانه التقوى ، كذا قدَّره أبو البقاء .
وقرأ عيسى بن عمر " تقوىً " منونة . وحكى هذه القراءة سيبويه ، ولم يَرْتَضِها الناسُ لأنَّ ألفَها للتأنيث فلا وَجْهَ لتنوينها ، وقد خرَّجها الناسُ على أن تكونَ ألفُها للإِلحاق ، قال ابن جني : " قياسُها أن تكونَ ألفُها للإلحاق كأَرْطى " .
قوله : { خَيْرٌ } خبرُ المبتدأ . والتفضيل هنا باعتبار معتقدِهم . و " أم " متصلة ، و " من " الثانية عطف على " مِنْ " الأولى ، و " أَسَّس بنيانه " كالأول .
قوله : { عَلَى شَفَا جُرُفٍ } كقوله : " على تقوى " في وجهيه . والشَّفا تقدم في آل عمران . وقرأ حمزة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم " جُرْفٍ " بسكون الراء والباقون بضمها ، فقيل : لغتان . وقيل : الساكن فرعٌ على المضموم نحو : عُنْق في عُنُق وطُنْب في طُنُب . وقيل بالعكس كعُسُر ويُسُر . والجُرُف : البِئْر التي لم تُطْوَ .
وقيل : هو الهُوَّةُ وما يَجْرُفُه السًّيْلُ من الأودية قاله أبو عبيدة . وقيل : هو المكان الذي يأكله الماء فيَجْرُفه أي يَذْهب به . ورَجُلّ جِرَاف أي : كثير النكاح كأنه يَجْرُفُ في ذلك العَمَلِ . قاله الراغب .
قوله : { هَارٍ } نعت لجُرُفٍ . وفيه ثلاثة أقوال ، أحدها : وهو المشهور أنه مقلوبٌ بتقديمِ لامه على عينه ، وذلك أنَّ أصلَه : هاوِرٌ أو هايِرٌ بالواو والياء لأنه سُمع فيه الحرفان . قالوا : هار يَهُور فانْهارَ ، وهار يَهير . وتَهَوَّر البناء وتَهَيَّر ، فقُدِّمت اللام وهي الراء على العين وهي الواو أو الياء فصار كغازٍ ورامٍ ، فأُعِلَّ بالنقص كإعلالهما فوزنه بعد القلب فالِع ، ثم تَزِنُه بعد الحذف ب فالٍ .
الثاني : أنه حُذِفَتْ عينُه اعتباطاً أي لغير موجَبٍ ، وعلى هذا فيجري بوجوه الإِعراب على لامه ، فيُقال : هذا هارٌ ورأيت هاراً ومررت بهارٍ ، ووزنُه أيضاً فال .
والثالث : أنه لا قلبَ فيه ولا حذف وأنَّ أصله هَوِر أو هَيِر بزنة كَتِف ، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقُلِب ألفاً فصار مثل قولهم : كبشٌ صافٌ ، أي : صَوِف أو يومٌ راحٌ ، أي : رَوِح . وعلى هذا فتحرَّك بوجوه الإِعراب أيضاً كالذي قبله كما تقول : هذا باب ورأيت باباً ومررت ببابٍ . وهذا أعدل الوجوه لاستراحته من ادِّعاء القلب والحذف اللذين هما على خلاف الأصل ، لولا أنه غير مشهور عند أهل التصريف . ومعنى " هار " ، أي : ساقط متداعٍ مُنْهار .
قوله : { فَانْهَارَ } فاعلُه : إمَّا ضميرُ البنيان والهاء في به على هذا ضمير المؤسس الباني ، أي : فسقط بنيان الباني على شفا جُرُفٍ هار وإما ضمير الجُرُف ، أي فسقط الشَّفا أو سَقَطَ الجُرُف . والهاء في " به " للبنيان . ويجوز أن / يكون للباني المؤسس ، والأَوْلى أن يكون الفاعلُ ضميرَ الجرف ، لأنه يلزم مِنْ انهيارِه الشَّفَا والبنيان جميعاً ، ولا يلزم من انهيارِهما أو انهيارِ أحدهما انهيارُه . والباء في " به " يجوز أن تكونَ المعدِّيةَ ، وأن تكونَ التي للمصاحبة . وقد تقدَّم لك خلافٌ أولَ هذا الموضوع : أن المعدِّيَةَ عند بعضهم تَسْتلزم المصاحبةَ . وإذا قيل إنها للمصاحبة هنا فتتعلقُ بمحذوفٍ لأنها حال ، أي : فانهار مصاحباً له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.