ثم بيّن علة النهي فقال : { لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم } أي من ابتداء وجوده { أحق أن تقوم فيه } والمعنى لو كان القيام في غيره جائزاً لكان هذا أولى لاشتماله على الخيرات الكثيرة فكيف إذا كان غيره مشتملاً على المفاسد الكثيرة من الضرار وغيره ؟ قالت الشيعة في هذا المقام : إن المسجد إذا كان مبنياً على التقوى من أول يوم كان أولى بالصلاة فيه ؛ فالإمام أولى بأن يكون متقياً من أول عمره وما ذاك إلا عليّ عليه السلام لأنه لم يكفر بالله طرفة عين . واختلفوا في هذا المسجد فقيل : مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، عن أبي سعيد الخدري سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى . فأخذ الحصباء وضرب بها الأرض وقال : هو مسجدكم هذا مسجد المدينة . وقيل : هو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وخرج يوم الجمعة ، قال في الكشاف : وهذا أولى لأن الموازنة بين مسجدي قباء أوقع . وقال القضي : كل مسجد بني على التقوى فإنه يدخل فيه كما لو قال قائل لرجل صالح أحق أن تجالسه لم يكن ذلك مقصوراً على واحد . وأيضاً كل مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض سوى وجه الله أو بمال غير طيب فهو لاحق بمسجد الضرار . ثم ذكر لمسجد التقوى وصفاً آخر وذلك قوله : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } فقيل : إنه التطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار والإخلاص كما أن أهل مسجد الضرار وصفوا بأضداد هذه الأمور من الضرار والكفر والتفريق ، ولأن طهارة الباطن أشد تأثيراً من طهارة الظاهر في القرب من الله . وقيل : إنه التطهر بالماء وذلك أنهم كانوا لا ينامون الليل على الجنابة ويتبعون الماء أثر البول . «وروي أنها لم نزلت مشى رسول الله ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال : أمؤمنون أنتم ؟ فسكت القوم . ثم أعادها فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم . فقال عليه السلام : أترضون بالقضاء ؟ قالوا : نعم قال : أتصبرون على البلاء ؟ قالوا : نعم . قال : أتشكرون في الرخاء ؟ قالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وسلم : مؤمنون ورب الكعبة . فجلس ثم قال : يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء . فتلا النبي صلى الله عليه وسلم : { رجال يحبون أن يتطهروا } » وقيل : يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا بأجمعهم . ومحبة التطيهر إيثاره والحرص عليه ومحبة الله الرضا عنهم والإحسان إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه . ثم بين أنه لا نسبة بين الفريقين وأن بينهما بوناً بعيداً فقال مستفهماً على سبيل التقرير { أفمن أسس بنيانه } وهو مصدر كالعمران وأريد به المبني والمعنى أن من أسس بناء دينه على قاعدة قوية محكمة وهي تقوى الله ورضوانه { خير أم من أسس } دينه على ضد ذلك . والشفا هو الشفير أي الشفة ، والجرف هو ما إذا سال السيل وانحسر الوادي ويبقى على طرف المسيل طين واهٍ مشرف على السقوط ساعة فساعة فذلك الموضع الذي هو بصدد السقوط جرف ، والهار الهائر وهو أيضاً المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط . قال الليث : الهاء مصدرها الجرف يهور إذا انصدع من خلفه وهو ثابت بعد في مكانه ، فإذا سقط فقد انهار . وقال في الكشاف : إنه صفة قصرت عن فاعل كخلف من خالف وألفه ليست بألف فاعل إنما هي عينه وأصله «هور » على «فعل » ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل ، فلكونه على شفا جرف هار كان مشرفاً على السقوط ، ولكونه على طرف جهنم كان إذا انهار فإنما يسقط في قعر جهنم ، يروى أنه حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤي الدخان يخرج منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.