فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (109)

ثم بيّن سبحانه أن بين الفريقين بوناً بعيداً . فقال : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } والهمزة للإنكار التقريري ، والبنيان مصدر كالعمران ، وأريد به المبنيّ ، أسس دينه على ضدّ ذلك ، وهو الباطل والنفاق ، والموصول مبتدأ ، وخبره { خير } ، وقرئ : «أسس بنيانه » على بناء الفعل للفاعل ، ونصب بنيانه ، واختار هذه القراءة أبو عبيدة ، وقرئ على البناء للمجهول ، وقرئ : «أساس بنيانه » بإضافة أساس إلى بنيانه ، وقرئ : «أسّ بنيانه » والمراد : أصول البناء ، وحكى أبو حاتم قراءة أخرى ، وهي «آساس بنيانه » على الجمع ، ومنه :

أصبح الملك ثابت الآساس *** بالبهاليل من بني العباس

والشفا : الشفير ، والجرف : ما يتجرف بالسيول ، وهي : الجوانب التي تنجرف بالماء ، والاجتراف : اقتلاع الشيء من أصله ، وقرئ بضم الراء من جرف وبإسكانها . والهار : الساقط ، يقال هار البناء : إذا سقط ، وأصله : هائر ، كما قالوا : شاك السلاح ، وشائك كذا ، قال الزجاج . وقال أبو حاتم : إن أصله هاور . قال في شمس العلوم : الجرف ما جرف السيل أصله ، وأشرف أعلاه فإن انصدع أعلاه فهو الهار اه ، جعل الله سبحانه هذا مثلاً لما بنوا عليه دينهم الباطل المضمحلّ بسرعة ، ثم قال : { فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } وفاعل فانهار ، ضمير يعود على الجرف : أي فانهار الجرف بالبنيان في النار ، ويجوز أن يكون الضمير في { بِهِ } يعود إلى من ، وهو الباني .

والمعنى : أنه طاح الباطل بالبناء ، أو الباني في نار جهنم ، وجاء بالانهيار الذي هو للجرف ترشيحاً للمجاز ، وسبحان الله ما أبلغ هذا الكلام ، وأقوى تراكيبه ، وأوقع معناه ، وأفصح مبناه .

/خ110