و : { قاب } معناه : قدر . وقال قتادة وغيره : معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر . وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض .
وقرأ محمد بن السميفع اليماني : «فكان قيس قوسين » ، والمعنى قريب من { قاب } ، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام : «لقاب قوس أحدكم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها »{[10688]} وفي حديث آخر : «لقاب قوس أحدكم في الجنة » .
وقوله : { أو أدنى } معناه : على مقتضى نظر البشر ، أي لو رآه أحدكم لقال في ذلك قوسان أو أدنى من ذلك ، وقال أبو زيد ليست بهذه القوس ، ولكن قدر الذراعين أو أدنى ، وحكى الزهراوي عن ابن عباس أن القوس في هذه الآية ذراع تقاس به الأطوال ، وذكره الثعلبي وأنه من لغة الحجاز .
وقاب ، قيل معناه : قَدْر . وهو واوي العين ، ويقال : قاب وقِيب بكسر القاف ، وهذا ما درج عليه أكثر المفسرين . وقيل يطلق القاب على ما بين مقبض القوس { أي وسط عوده المقوس } وما بين سِيتيْهَا { أي طرفيها المنعطف الذي يشدّ به الوتَر } فللقوس قابان وسِيتان ، ولعل هذا الإِطلاق هو الأصل للآخر ، وعلى هذا المعنى حمل الفراء والزمخشري وابن عطية وعن سعيد بن المسيّب : القاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه ولكل قوس قاب واحد . وعلى كلا التفسيرين فقوله : { قاب قوسين } أصله قابَيْ قوس أو قَابَيْ قوسين { بتثنية أحد اللفظين المضاففِ والمضاف إليه ، أو كليهما } فوقع إفراد أحد اللفظين أو كليهما تجنباً لثقل المثنى كما في قوله تعالى : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } [ التحريم : 4 ] أي قلباكما .
وقيل يطلق القوس في لغة أهل الحجاز على ذِراع يذرع به { ولعله إذن مصدر قاس فسمي به ما يقاس به } .
والقوس : آلة من عُودِ نَبْع ، مقوسة يشد بها وتَر من جِلد ويرمي عنها السهام والنشاب وهي في مقدار الذراع عند العرب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فكان} منه {قاب قوسين} يعني قدر ما بين طرفي القوس من قسي العرب {أو أدنى} يعني أدنى أو أقرب من ذلك. حدثنا عبد الله، قال: سمعت أبا العباس يقول: {قاب قوسين}، يعني قدر طول قوسين من قسي العرب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى "يقول: فكان جبرائيل من محمد صلى الله عليه وسلم على قدر قوسين، أو أدنى من ذلك، يعني: أو أقرب منه... وقيل: إن معنى قوله: "فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ" أنه كان منه حيث الوتر من القوس... عن عبد الله "فكان قاب قوسين أو أدنى": قال: دنا جبريل عليه السلام منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين...
واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: "فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى"؛
فقال بعضهم: في ذلك، بنحو الذي قلنا فيه...
وقال آخرون: بل الذي دنا فكان قاب قوسين أو أدنى: جبريل من ربه...
وقال آخرون: بل كان الذي كان قاب قوسين أو أدنى: محمد من ربه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: القاب هو صدر القوس أي كان قدر صدر القوس من الوَتَر مرتين، وقال بعضهم: أي قدر قوسين حقيقة...
فتقول: أي الوجوه كان ففيه دليل أنه لم يكن جبرائيل عليه السلام يبعُد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يحيط به لأن الشيء إذا بَعُد عن البصر يعرفه بالاجتهاد، ولا يدركه حقيقة، وكذلك إذا قرُب منه حتى إذا ماسّه، والتصق به، قصُر البصر عن إدراكه، وإذا كان بين البُعد والقُرب أحاط به، وأدركه، فيُخبر الله تعالى أنه أحاط به علما، وأدركه حقيقة، لا أن كانت معرفته إياه بطريق الاجتهاد، والله أعلم. وقوله تعالى: {أو أدنى} قال أهل التأويل: حرف أو حرف شكٍّ. وذلك غير محتمل من الله تعالى، ولكن معناه على الإيجاب، أي بل أدنى. وقال بعضهم: {أو أدنى} في اجتهادكم ووهمِكم، لو نظرتم إليهما لقُلتم: إنهما بالقُرب والدُّنوّ قدر قوسين أو أدنى...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
... والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{أَوْ أَدْنَى} قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هو جبريل، عليه السلام، هو قول أم المؤمنين عائشة، وابن مسعود، وأبي ذر، وأبي هريرة، كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء الله. وروى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين". فجعل هذه إحداهما. وجاء في حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس في حديث الإسراء: " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى " ولهذا تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية، وذكروا أشياء فيها من الغرابة، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى، لا أنها تفسير لهذه الآية؛ فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض لا ليلة الإسراء؛ ولهذا قال بعده: {وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض. وروى البخاري عن طَلْق بن غنام، عن زائدة، عن الشيباني قال: سألت زرًّا عن قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قال: حدثنا عبد الله أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.