161- واذكر - يأيها النبي - لمن وجد منهم في زمانك ، تقريعا لهم بما فعل أسلافهم ، اذكر لهم قولنا لأسلافهم على لسان موسى : اسكنوا مدينة بيت المقدس بعد الخروج من التيه ، وكلوا من خيراتها في أية ناحية من نواحيها شئتم ، وقولوا نسألك يا ربنا أن تحط عنا خطايانا ، وادخلوا باب القرية مع انحناء الرءوس كهيئة الركوع تواضعا للَّه . إذا فعلتم ذلك تجاوزنا عن ذنوبكم ، وسنزيد ثواب من أحسنوا الأعمال .
( 161 ) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ أي : ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا ، وهي ( إيلياء ) وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أي : قرية كانت كثيرة الأشجار ، غزيرة الثمار ، رغيدة العيش ، فلذلك أمرهم اللّه أن يأكلوا منها حيث شاءوا .
وَقُولُوا حين تدخلون الباب : حِطَّةٌ أي : احطط عنا خطايانا ، واعف عنا .
وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا أي : خاضعين لربكم مستكينين لعزته ، شاكرين لنعمته ، فأمرهم بالخضوع ، وسؤال المغفرة ، ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل فقال : نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ من خير الدنيا والآخرة ،
{ وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية } بإضمار اذكروا لقرية بيت المقدس . { وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطّة وادخلوا الباب سُجُداً } مثل ما في سورة " البقرة " معنى غير أن قوله { فكلوا } فيها بالفاء أفاد تسبب سكناهم للأكل منها ، ولم يتعرض له ها هنا اكتفاء بذكره ثمة ، أو بدلالة الحال عليه وأما تقديم قوله قولوا على وادخلوا فلا أثر له في المعنى لأنه لا يوجب الترتيب وكذا الواو العاطفة بينهما . { نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين } وعد بالغفران والزيادة عليه بالإثابة ، وإنما أخرج الثاني مخرج الاستئناف للدلالة على أنه تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به . وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب " تغفر " بالتاء والبناء للمفعول ، و{ خطيئاتكم } بالجمع والرفع غير ابن عامر فإنه وحد وقرأ أبو عمرو " خطاياكم " .
المعنى واذكر «إذ قيل لهم » ، والمراد من سلف من بني إسرائيل ، وذلك أنهم لما خرجوا من التيه قيل لهم { اسكنوا هذه القرية } و «القرية » في كلام العرب المدينة مجتمع المنازل ، والإشارة هنا إلى بيت المقدس ، قاله الطبري ، وقيل إلى أريحا ، و { حيث شئتم } أي هي ونعمها لكم مباحة ، وقرأ السبعة والحسن وأبو رجاء ومجاهد وغيرهم «حطةٌ » بالرفع ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «حطةً » بالنصب ، الرفع على خبر ابتداء تقديره طلبنا حطة ، والنصب على المصدر أي حط ذنوبنا حطةً ، وهذا على ان يكلفوا قول لفظة معناها حطة ، وقد قال قوم كلفوا قولاً حسناً مضمنة الإيمان وشكر الله ليكون حطة لذنوبهم ، فالكلام على هذا كقولك قل خيراً . . وتوفية هذا مذكور في سورة البقرة .
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي «نغفر » بالنون «لكم خطيئاتكم » بالتاء مهموز على الجمع ، وقرأ أبو عمرو «نغفر » بالنون «لكم خطاياكم » نحو قضاياكم وهي قراءة الحسن والأعمش ، وقرأ نافع «تُغفر » بتاء مضمومة «لكم خطيئاتُكم » بالهمز وضم التاء على الجمع ، ورواها محبوب عن أبي عمرو ، وقرأ ابن عامر «تُغفر » بتاء مضمومة «لكم خطيئتُكم » واحدة مهموزة مرفوعة ، قال أبو حاتم : وقرأها الأعرج وفرقة «تُغفر بالتاء وفتحها على معنى أن الحطة تغفر إذ هي سبب الغفران .
هذه الآية أيضاً نظير ما في سورة البقرة إلاّ أنه عبر في هذه الآية بقوله : { اسكنوا } وفي سورة البقرة ( 58 ) بقوله : { ادخلوا } لأن القولين قيلا لهم ، أي قيل لهم : ادخلوا واسكنوها ففُرّق ذلك على القصتين على عادة القرآن في تغيير أسلوب القصص استجداداً لنشاط السامع .
وكذلك اختلاف التعبير في قوله هنا : { وكلوا } وقوله في سورة البقرة ( 58 ) { فكلوا } فإنه قد قيل لهم بما يرادف فاء التعقيب ، كما جاء في سورة البقرة ، لأن التعقيب معنى زائِد على مطلق الجمع الذي تفيده واو العطف ، واقتصر هنا على حكاية أنه قيل لهم ، وكانت آية البقرة أولى بحكاية ما دلت عليه فاء التعقيب ، لأن آية البقرة سيقت مساق التوبيخ فناسبها ما هو أدل على المنة ، وهو تعجيل الانتفاع بخيرات القرية ، وآيات الأعراف سيقت لمجرد العبرة بقصة بني إسرائيل .
ولأجل هذا الاختلاف مُيزت آية البقرة بإعادة الموصول وصلته في قوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً } [ البقرة : 59 ] وعوض عنه هنا بضمير الذين ظلموا ، لأن القصد في آية البقرة بيان سبب إنزال العذاب عليهم مرتين أشير إلى أولاهما بما يومىء إليه الموصول من علة الحكم ، وإلى الثانية بحرف السببية ، واقتصر هنا على الثاني .
وقد وقع في سورة البقرة ( 59 ) لفظ { فأنزلنا } ووقع هنا لفظ { فأرسلنا } ولما قيد كلاهما بقوله : { من السماء } كان مفادهما واحداً ، فالاختلاف لمجرد التفنن بين القصتين .
وعبر هنا { بما كانوا يظلمون } وفي البقرة ( 59 ) { بما كانوا يفسقون } لأنه لما اقتضى الحال في القصتين تأكيدَ وصفهم بالظلم وأدي ذلك في البقرة ( 59 ) بقوله : { فأنزلنا على الذين ظلموا } استثقلت إعادة لفظ الظلم هنالك ثالثة ، فعُدل عنه إلى ما يفيد مفاده ، وهو الفسق ، وهو أيضاً أعم ، فهو أنسب بتذييل التوبيخ ، وجيء هنا بلفظ يظلمون } لئلا يفوت تسجيل الظلم عليهم مرة ثالثة ، فكان تذييل آية البقرة أنسب بالتغليط في ذمهم ، لأن مقام التوبيخ يقتضيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.