لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَإِذۡ قِيلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (161)

وقوله تعالى : { وإذ قيل لهم } يعني : واذكر يا محمد لقومك إذ قيل لهم يعني لبني إسرائيل { اسكنوا هذه القرية } يعني بيت المقدس ، وقال في سورة البقرة : ادخلوا هذه القرية ، ولا منافاة بينهما لأن كل ساكن في موضع لا بد له من الدخول إليه { وكلوا منها حيث شئتم } يعني وكلوا من ثمار القرية وزروعها وحبوبها وبقولها حيث شئتم وأين شئتم . وقال في البقرة : فكلوا ، بالفاء وهو بالواو والفرق بينهما أن الدخول حالة مقتضية للأكل عقبه فيحسن دخول الفاء التي هي للتعقيب ولما كانت السكنى حالة استمرار حسن دخول الواو عقب السكنى فيكون الأكل حاصلاً متى شاؤوا وإنما قال في سورة البقرة : رغداً ، ولم يقله هنا لأن الأكل عقب الدخول ألذ وأكمل فأما الأكل مع السكنى والاستمرار فليس كذلك فحسن دخول لفظة رغداً هناك بخلافه هنا { وقولوا حطة } أي حط عنا ذنوبنا { وادخلوا الباب سجداً } وقال في البقرة عكس هذا اللفظ ولا منافاة في ذلك لأن المقصود من ذلك تعظيم أمر الله وإظهار الخضوع والخشوع له فلم يتفاوت الحال بسبب التقديم والتأخير { نغفر لكم خطيئاتكم } يعني نغفر لكم ذنوبكم ولم نؤاخذكم بها .

وإنما قال هنا خطيئاتكم وفي البقرة خطاياكم لأن المقصود غفران ذنوبهم سواء كانت قليلة أو كثيرة إذا أتوا بالدعاء والتضرع { سنزيد المحسنين } وقال في سورة البقرة : وسنزيد ، بالواو ومعناه أنه قد وعد المسيئين بالغفران وبالزيادة للمحسنين من الثواب وإسقاط الواو لا يخل بهذا المعنى لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل وماذا بعد الغفران فقيل له : سنزيد المحسنين .