146- وإن أهل الكتاب ليعلمون أن التحول إلى قبلة البيت الحرام بمكة هو الحق ، ويسلِّمون أنك النبي المنعوت في كتبهم بنعوت من جملتها أنه يصلي إلى الكعبة ، ومعرفتهم نُبُوَّتك وقبلتك كمعرفتهم أبناءهم في الوضوح والجلاء ، ولكن بعضهم يخفون هذا الحق على علم اتباعاً لهواهم ، وتعصباً باطلا لملتهم حفاظاً على سلطانهم ، ويحاولون تضليلكم .
ثم قال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }
يخبر تعالى : أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم ، وعرفوا أن محمدا رسول الله ، وأن ما جاء به ، حق وصدق ، وتقينوا ذلك ، كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم ، فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون ، ولكن فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به ، كتموا هذه الشهادة مع تيقنها ، وهم يعلمون { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ } وفي ضمن ذلك ، تسلية للرسول والمؤمنين ، وتحذير له من شرهم وشبههم ، وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون ، فمنهم من آمن [ به ] ومنهم من كفر [ به ] جهلا ، فالعالم عليه إظهار الحق ، وتبيينه وتزيينه ، بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال ، وغير ذلك ، وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق ، وتشيينه ، وتقبيحه للنفوس ، بكل طريق مؤد لذلك ، فهولاء الكاتمون ، عكسوا الأمر ، فانعكست أحوالهم .
يخبر تعالى{[2947]} أنّ علماء أهل الكتاب يعرفون صِحّة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم [ كما يعرفون أبناءهم ]{[2948]} كما يعرف أحدُهم ولده ، والعربُ كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير : " ابنك هذا ؟ " قال : نعم يا رسول الله ، أشهد به . قال : " أما إنه لا يَجْنِي عليك ولا تجْنِي عليه " {[2949]} .
[ قال القرطبي : ويروى أن عمر قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدًا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك ، قال : نعم وأكثر ، نزل الأمين من السماء على الأمين ، في الأرض بنعته فعرفته ، وإني لا أدري ما كان من أمره . قلت : وقد يكون المراد { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } من بين أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم ]{[2950]} .
ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق{[2951]} والإتقان العلمي { لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ } أي : ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم { وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 146 )
{ الذين } في موضع رفع بالابتداء ، والخبر { يعرفونه }( {[1391]} ) ، ويصح أن يكون في موضع خفض نعتاً للظالمين و { يعرفونه } في موضع الحال .
وخص الأبناء دون الأنفس وهي ألصق ، لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة( {[1392]} ) لا يعرف فيها نفسه ، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه ، والمراد هنا معرفة الوجه وميزه لا معرفة حقيقة النسب( {[1393]} ) ، ولعبد الله بن سلام رضي الله عنه في هذا الموضع كلام معترض( {[1394]} ) يأتي موضعه إن شاء الله( {[1395]} ) ، والضمير في { يعرفونه } عائد على الحق في القبلة والتحول بأمر الله إلى الكعبة ، قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج والربيع ، وقال قتادة أيضاً ومجاهد وغيرهما : هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم( {[1396]} ) ، أي يعرفون صدقه ونبوته( {[1397]} ) ، والفريق الجماعة ، وخص لأن منهم من أسلم ولم يكتم ، والإشارة بالحق إلى ما تقدم من الخلاف في ضمير { يعرفونه } ، فعم الحق مبالغة في ذمهم ، و { هم يعلمون } ظاهر في صحة الكفر عناداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.