المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

142- إن ضعاف العقول الذين أضلتهم أهواؤهم عن التفكر والتدبر من اليهود والمشركين والمنافقين سينكرون على المؤمنين تحوَّلهم من قبلة بيت المقدس التي كانوا يصلّون متجهين إليها إلى قبلة أخرى وهي الكعبة ، فقل لهم أيها النبي : إن الجهات كلها لله ، لا فضل لجهة على أخرى بذاتها ، بل الله هو الذي يختار منها ما يشاء ليكون قبلة للصلاة ، وهو يهدى بمشيئته كل أمة من الأمم إلى طريق قويم يختاره لها ويخصها به ، وقد جاءت الرسالة المحمدية فنسخت ما قبلها من الرسالات ، وصارت القبلة الحقة هي الكعبة{[7]} .


[7]:كان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة على رأس نحو سبعة عشر شهرا من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }

قد اشتملت الآية الأولى على معجزة ، وتسلية ، وتطمين قلوب المؤمنين ، واعتراض وجوابه ، من ثلاثة أوجه ، وصفة المعترض ، وصفة المسلم لحكم الله دينه .

فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس ، وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم ، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن ، وهم اليهود والنصارى ، ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه ، وذلك أن المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس ، مدة مقامهم بمكة ، ثم بعد الهجرة إلى المدينة ، نحو سنة ونصف - لما لله تعالى في ذلك من الحكم التي سيشير إلى بعضها ، وكانت حكمته تقتضي أمرهم باستقبال الكعبة ، فأخبرهم أنه لا بد أن يقول السفهاء من الناس : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } وهي استقبال بيت المقدس ، أي : أيُّ شيء صرفهم عنه ؟ وفي ذلك الاعتراض على حكم الله وشرعه ، وفضله وإحسانه ، فسلاهم ، وأخبر بوقوعه ، وأنه إنما يقع ممن اتصف بالسفه ، قليل العقل ، والحلم ، والديانة ، فلا تبالوا بهم ، إذ قد علم مصدر هذا الكلام ، فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه ، ولا يلقي له ذهنه . ودلت الآية على أنه لا يعترض على أحكام الله ، إلا سفيه جاهل معاند ، وأما الرشيد المؤمن العاقل ، فيتلقى أحكام ربه بالقبول ، والانقياد ، والتسليم كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الآية ، { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وقد كان في قوله { السفهاء } ما يغني عن رد قولهم ، وعدم المبالاة به .

ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة ، حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض ، فقال تعالى : { قُلْ } لهم مجيبا : { لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أي : فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله ، ليس جهة من الجهات خارجة عن ملكه ، ومع هذا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من ملة أبيكم إبراهيم ، فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله ، لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له ؟ فهذا يوجب التسليم لأمره ، بمجرد ذلك ، فكيف وهو من فضل الله عليكم ، وهدايته وإحسانه ، أن هداكم لذلك فالمعترض عليكم ، معترض على فضل الله ، حسدا لكم وبغيا .

ولما كان قوله : { يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } والمطلق يحمل على المقيد ، فإن الهداية والضلال ، لهما أسباب أوجبتها حكمة الله وعدله ، وقد أخبر في غير موضع من كتابه بأسباب الهداية ، التي إذا أتى بها العبد حصل له الهدى كما قال تعالى : { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية ، ومنة الله عليها فقال :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

[ قيل المراد بالسفهاء هاهنا : المشركون ؛ مشركو العرب ، قاله الزجاج . وقيل : أحبار يهود ، قاله مجاهد . وقيل : المنافقون ، قاله السدي . والآية عامة في هؤلاء كلهم ، والله أعلم ]{[2867]} .

قال البخاري : حدثنا أبو نُعَيم ، سمع زُهَيراً ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت{[2868]} المقدس ستَّة عشر شهرا أو سبعة عشر شهراً ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى أول صلاة صلاها ، صلاة العصر ، وصلى معه قوم . فخرج رجل{[2869]} ممن كان صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم قبَل مكة ، فدارُوا كما هم قبل البيت . وكان الذي مات على القبلة قبل أن تُحَوّل قبل البيت رجالا قتلوا لم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله عز وجل { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }

انفرد به البخاري من هذا الوجه{[2870]} . ورواه مسلم من وجه آخر{[2871]} .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني إسماعيل{[2872]} بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر{[2873]} أمر الله ، فأنزل الله : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فقال رجال{[2874]} من المسلمين : وَددْنا لو عَلمْنا علم من مات منا قبل أن نُصْرف إلى القبلة ، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } وقال السفهاء من الناس ، وهم أهل الكتاب : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ } إلى آخر الآية .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا الحسن بن عطية ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } قال : فَوُجّه نحو الكعبة . وقال السفهاء من الناس ، وهم اليهود : { مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } فأنزل الله { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة ، أمَره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحِب قبلة إبراهيم ، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله عز وجل : { فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } أي : نحوه . فارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .

وقد جاء في هذا الباب أحاديثُ كثيرة ، وحاصلُ الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمِرَ باستقبال الصخرة من بيت المقدس ، فكان بمكة يُصَلِّي بين الركنين ، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة تَعَذَّر الجمعُ بينهما ، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس ، قاله ابن عباس والجمهور ، ثم اختلف هؤلاء هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره ؛ على قولين ، وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه الصلاة والسلام . والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاستمرَّ الأمرُ على ذلك بضعة عَشَرَ شهراً ، وكان يكثر الدعاءَ والابتهالَ أنْ يُوَجَّه إلى الكعبة ، التي هي قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، فأجيب إلى ذلك ، وأمر بالتوجِّه إلى البيت العتيق ، فخطب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وأعلمهم بذلك . وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر ، كما تقدم في الصحيحين من رواية البراء . ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى : أنها الظهر{[2875]} . وأما أهل قُبَاء ، فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني ، كما جاء في الصحيحين ، عن ابن عمر أنه قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها . وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة{[2876]} .

وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به ، وإن تقدم نزوله وإبلاغه ؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء ، والله أعلم .

ولما وقع هذا حصل لبعض الناس - من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود - ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك ، وقالوا : { مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } أي : ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا ، وتارة يستقبلون كذا ؟ فأنزل الله جوابهم في قوله : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } أي : الحكم والتصرف والأمر كله لله ، وحيثما تولوا فثمَّ وجه الله ، و { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ } [ البقرة : 177 ]أي : الشأن كله في امتثال أوامر الله ، فحيثما وجهنا توجهنا ، فالطاعة في امتثال أمره ، ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة ، فنحن عبيده وفي تصريفه وخُدَّامُه ، حيثما وجَّهَنا توجهنا ، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد - صلوات الله وسلامه عليه{[2877]} - وأمتِه عناية عظيمة ؛ إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم ، خليل الرحمن ، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له ، أشرف بيوت الله في الأرض ، إذ هي بناء إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، ولهذا قال : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .

وقد روى الإمام أحمد ، عن علي بن عاصم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عُمَر{[2878]} بن قيس ، عن محمد بن الأشعث ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في أهل الكتاب - : " إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة ، التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين " {[2879]} .


[2867]:زيادة من جـ، ط.
[2868]:في جـ: "إلى البيت".
[2869]:في ط: "فخرج قوم".
[2870]:صحيح البخاري برقم (4486).
[2871]:صحيح مسلم برقم (525).
[2872]:في أ: "حدثني المعلى".
[2873]:في ط: "وينتظر".
[2874]:في أ: "فقال رجل".
[2875]:سنن النسائي الكبرى برقم (11004).
[2876]:صحيح البخاري برقم (403) وصحيح مسلم برقم (526).
[2877]:في ط: "صلى الله عليه وسلم".
[2878]:في ط، أ، و: "عن عمرو".
[2879]:المسند (6/134).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 142 )

أعلم الله تعالى في هذه الآية أنهم سيقولون في شأن تحول المؤمنين من الشام إلى الكعبة : { ما ولاهم } ؟ و { السفهاء } هم الخفاف الأحلام والعقول ، والسفه الخفة والهلهلة ، ثوب سفيه أي غير متقن النسج ، ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]

مشين كما اهتزت رماح تسفهت . . . أعالَيَها مرُّ الرياحِ النواسمِ

أي استخفتها( {[1333]} ) ، وخص بقوله { من الناس } ، لأن السفه يكون في جمادات وحيوانات ، والمراد ب { السفهاء } هنا جميع من قال { ما ولاهم } ، وقالها فِرَقٌ .

واختلف في تعيينهم ، فقال ابن عباس : «قالها الأحبار منهم » ، وذلك أنه جاؤوا إلى النبي صلى -الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتنا ؟ ارجع إليها ونؤمن بك ، يريدون فتنته ، وقال السدي : قالها بعض اليهود والمنافقون استهزاء ، وذلك أنهم قالوا : اشتاق الرجل إلى وطنه ، وقالت طائفة : قالها كفار قريش ، لأنهم قالوا : ما ولاه عن قبلته ؟ ما رجع إلينا إلا لعلمه أنَّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله ، و { ولاهم } معناه صرفهم ، والقبلة فعلة هيئة المقابل للشيء ، فهي كالقعدة والإزرة( {[1334]} ) .

وجعل المستقبل موضع الماضي في قوله { سيقول } دلالة على استدامة ذلك ، وأنهم يستمرون على ذلك القول( {[1335]} ) ، ونص ابن عباس وغيره أن الآية نزلت بعد قولهم .

وقوله تعالى : { قل لله المشرق والمغرب } إقامة حجة ، أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما ، ويهدي من يشاء ، إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم ، والصراط : الطريق .

واختلف العلماء ، هل كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بأمر من الله تعالى في القرآن أو بوحي غير متلو ؟( {[1336]} ) ، فذكر ابن فورك عن ابن عباس قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وقال الجمهور : بل كان أمر قبلة بيت المقدس بوحي غير متلو ، وقال الربيع : خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النواحي فاختار بيت المقدس ، ليستألف بها أهل الكتاب ، ومن قال كان بوحي غير متلو قال : كان ذلك ليختبر الله تعالى من آمن من العرب ، لأنهم كانوا يألفون الكعبة وينافرون بيت المقدس وغيره ، واختلف كم صلى إلى بيت المقدس ، ففي البخاري : ستة عشر أو سبعة عشر شهراً( {[1337]} ) ، وروي عن أنس بن مالك : تسعة أو عشرة أشهر ، وروي عن غيره : ثلاثة عشرة شهراً .

وحكى مكي عن إبراهيم بن إسحاق أنه قال : أول أمر الصلاة أنها فرضت بمكة ركعتين في أول النهار وركعتين في آخر ، ثم كان الإسراء ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الآخر ، قبل الهجرة بسنة ، ففرضت الخمس ، وأمَّ فيها جبريل عليه السلام ، وكانت أول صلاة الظهر ، وتوجه بالنبي صلى الله عليهما وسلم إلى بيت المقدس ، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ربيع الأول ، وتمادى إلى بيت المقدس إلى رجب من سنة اثنتين ، وقيل إلى جمادى ، وقيل إلى نصف شعبان .


[1333]:- ضد استثقلها، يقال: تسفَّهتِ الريح الغصون، أمالتها وحركتها، فأعالي الرماح استخفتها الرياح. وسيأتي مزيد من شرح البيت في صفحة (505) من هذا الجزء.
[1334]:- الإزرة هيئة الائتزار، ومنه قولهم: لكل قوم إزرة يأتزرونها.
[1335]:- الظاهر أنه ليس من وضع المستقبل موضع الماضي لبعد المجاز مع وجود السين، وإنما المراد – والله أعلم – أنهم وإن كانوا قالوا ذلك من قبل فإنهم سيستمرون في القول من بعد للخوض والإرجاف.
[1336]:- محصل هذا أربعة أقوال – قيل: إن استقبال بيت المقدس كان بوحي متلُوّ، وقيل: بوحي غير مَتْلُوٍّ، وقيل: كان بالتخير، فاختار صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، وقيل: كان باجتهاده صلى الله عليه وسلم كما ذكره الإمام (ق). رحمه الله.
[1337]:- هذا هو الصحيح الثابت، وما بعده شاذ.