{ 4 }{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } هذا حث من الله لعباده على الجهاد في سبيله وتعليم لهم كيف يصنعون وأنه ينبغي [ لهم ] أن يصفوا في الجهاد صفا متراصا متساويا ، من غير خلل يقع{[1070]} في الصفوف ، وتكون صفوفهم على نظام وترتيب به تحصل المساواة بين المجاهدين والتعاضد وإرهاب العدو وتنشيط بعضهم بعضا ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال ، صف أصحابه ، ورتبهم في مواقفهم ، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض ، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها ، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصل الكمال .
فهذا إخبار منه تعالى بمحبة عباده المؤمنين إذا اصطفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى ، يقاتلون في سبيل الله مَن كفر بالله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا هُشَيْم ، قال مُجالد أخبرنا عن أبي الودَّاك ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث يضحك الله إليهم : الرجل يقوم من الليل ، والقوم إذا صفوا للصلاة ، والقوم إذا صفوا للقتال " .
ورواه ابن ماجة من حديث مجالد ، عن أبي الوَدَّاك جبر بن نوف ، به{[28775]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نُعَيم الفضل بن دُكَيْن ، حدثنا الأسود - يعني ابن شيبان - حدثني يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير قال : قال مُطرف : كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته فقلت : يا أبا ذر ، كان يبلغني عنك حديث ، فكنت أشتهي لقاءك ، فقال : لله أبوك ! فقد لقيت ، فهات . فقلت : كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم أن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ؟ قال : أجل ، فلا إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم . قلت : فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله ؟ قال : رجل غزا في سبيل الله ، خرج محتسبا مجاهدا فلقي العدو فقتل ، وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ، ثم قرأ { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } وذكر الحديث .
هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق ، وبهذا اللفظ ، واختصره ، وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث شعبة ، عن منصور بن المعتمر ، عن رِبْعي بن حِرَاش ، عن زيد بن ظَبْيان ، عن أبي ذَرّ بأبسط من هذا السياق وأتم{[28776]} وقد أوردناه في موضع آخر ، ولله الحمد .
وعن كعب الأحبار أنه قال : يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : " عبدي المتوكل المختار ليس بفَظّ ولا غَليظ ولا صَخَّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة ، وهجرته بطابة ، وملكه بالشام ، وأمته الحمادون يحمَدُون الله على كلّ حال ، وفي كل منزلة ، لهم دَوِيٌّ كدوي النحل في جو السماء بالسحَر ، يُوَضّون أطرافهم ، ويأتزرون على أنصافهم ، صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة ، " ثم قرأ : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } رعاة الشمس ، يصلون الصلاة حيث أدركتهم ، ولو على ظهر دابة " رواه بن أبي حاتم .
وقال سعيد بن جبير في قوله :{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم ، وهذا تعليم من الله للمؤمنين . قال : وقوله : { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } ملتصق بعضه في بعض ، من الصف في القتال . وقال مقاتل بن حيان : ملتصق بعضه إلى بعض . وقال ابن عباس : { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } مُثَبّت ، لا يزول ، ملصق بعضه ببعض . وقال قتادة : { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } ألم تر إلى صاحب البنيان ، كيف لا يحب أن يختلف بنيانه ؟ فكذلك الله عز وجل [ يحب أن ]{[28777]} لا يختلف أمره ، وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم ، فعليكم بأمر الله ، فإنه عصمة لمن أخذ به . أورد ذلك كله ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثني سعيد بن عَمرو السكوني ، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن أبي بحرية{[28778]} قال : كانوا يكرهون القتال على الخيل ، ويستحبون القتال على الأرض ، لقول الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } قال : وكان أبو بحرية{[28779]} يقول : إذا رأيتموني التفتُّ في الصف فَجَثُوا في لَحيي{[28780]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.