فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } قال ابن عباس : هذه الآية في القتال وحده ، وهم قوم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول الرجل : قاتلت وضربت بسيفي ولم يفعل فنزلت :{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } قال المفسرون : إن المؤمنين قالوا : وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه ، حتى نعمله ، ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا ، فأنزل الله هذه الآية ، وانتصاب صفا على المصدرية والمفعول محذوف أي يصفون أنفسهم صفا ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال أي صافين أو مصفوفين قرأ الجمهور يقاتلون على البناء للفاعل ، وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول ، وقرئ يقتلون بالتشديد .

وجملة : { كأنهم بنيان مرصوص } في محل نصب على الحال من فاعل يقاتلون أو من الضمير في صفا على تقدير أنه مؤول بصافين أو مصفوفين ، ومعنى مرصوص ملتزق بعضه ببعض ، يقال : رصصت البناء أرصه رصا إذا ضممت بعضه إلى بعض ، وقال الفراء : مرصوص بالرصاص ، قال المبرد : هو مأخوذ من رصصت البناء إذا لا يمت بينه ، وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة ، وقيل : هو من الرصيص وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض ، والتراص التلاصق ، وقيل : المتلائم الأجزاء المستويها ، وقال ابن عباس في الآية : مثبت لا يزول ، ملصق بعضه على بعض ، وقيل : أريد استواء نياتهم في حرب عدوهم ، حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رص بعضه إلى بعض ، والأول أولى .