تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } ليس فيه أن الله ، لا يحب المبارزة لأن الجهاد والقتال المبارز أشد ، وذلك أنه إذا كان في الصف أعانه على القتال غيره ، فكان أمنه على نفسه في الصف أكثر ، وأما المبارز ، فإنه وحده ، ليس له معين ، فإن ظفر على صاحبه ، وإلا هلك ، والخوف عليه في ذلك أشد ، فيجب أن تكون المحنة فيه أكثر .

ولكنه يجوز أن يكون الله تعالى ، علمهم بهذه الآية كيفية القتال ليستعين بعضهم ببعض ولتكون كلمتهم واحدة لأنهم إذا تفرقوا اختلفت آراؤهم ، فيخشى عليهم الهزيمة والإدبار ، وإذا كانت آراؤهم متفقة وكلمتهم واحدة وشوكتهم واحدة ، وذلك في القتال زيادة نصرة الله ، والله اعلم .

ثم قوله تعالى : { كأنهم بنيان مرصوص } قال بعضهم : ضرب هذا المثل للثبات يعني : إذا اصطفوا ثبتوا كالبنيان المرصوص الذي {[21125]} تكون ثابتة مستقرة ، لا ينتقض بأدنى شيء .

ومنهم من ضرب هذا المثل لأن تكون كلمتهم واحدة ، ويعين بعضهم بعضا .

ويشبه أن يكون للأمرين جميعا ، لأنهم إذا ثبتوا أعان بعضهم بعضا ، وكانت كلمتهم واحدة ، وإذا كانت كلمتهم واحدة كان ذلك أدعى إلى الثبات وأقرب إليه فلذلك قلنا : إنه يجوز للأمرين جميعا ، والله أعلم .

ثم المحبة تحتمل وجهين : أحدهما : [ الرضا ]{[21126]} عن الخلق ، والثاني : الثناء عليهم بما يفعلون .


[21125]:في الأصل و م: التي.
[21126]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم