روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

وقوله سبحانه : { إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون في سَبِيلِهِ كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ } بيان لما هو مرضى عنده سبحانه وتعالى بعد بيان ما هو ممقوت عند جل شأنه ، وظاهره يرجح أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال دون ما يقتضيه ما روي عن الضحاك أو عن ابن زيد في سبب النزول ، ويقتضي أن مناط التوبيخ هو إخلافهم لا وعدهم وصف مصدر وقع موقع اسم الفاعل ، أو اسم المفعول ، ونصبه على الحال من ضمير { يقاتلون } أي صافين أنفسهم أو مصفوفين ، و { كَأَنَّهُمْ } الخ حال من المستكن في الحال الأولى أي مشبهين في تلاصقهم ببنيان الخ ، وهذا ما عناه الزمخشري بقوله : هما أي { صَفَّا } و { كَأَنَّهُمْ } الخ حالان متداخلان ، وقول ابن المنير إن معنى التداخل أن الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإن هيئة الاتصاف هي هيئة الارتصاص خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح النحاة ، وجوز أن يكون حالا ثانية من الضمير .

وقال الحوفي : هو في موضع النعت لصفاً وهو كما ترى ، والمرصوص على ما قال الفراء . ومنذر بن سعيد هو المعقود بالرصاص ، ويراد به المحكم ، وقال المبرد : رصصت البناء لاءَمت بين أجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة واحدة ، ومنه الرصيص وهو انضمام الأسنان ، والظاهر أن المراد تشبيههم في التحام بعضهم ببعض بالبنيان المرصوص من حيث أنهم لا فرجه بينهم ولا خلل ، وقيل : المراد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص ، والأكثرون على الأول ، وفي أحكام القرآن فيه استحباب قيام المجاهدين في القتال صفوفاً كصفوف الصلاة وأنه يستحب سدّ الفرج والخلل في الصفوف ، وإتمام الصف الأول فالأول ، وتسوية الصفوف عدم تقدم بعض على بعض فيها ، وقال ابن الفرس : استدل به بعضهم على أن قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان لأن التراصي إنما يمكن منهم ، ثم قال : وهو ممنوع انتهى ، ثم إن القتال على هذه الهيئة اليوم من أصول العساكر المحمدية النظامية لا زالت منصورة مؤيدة بالتأييدات الربانية ، وأنت تعلم أن للوسائل حكم المقاصد فما يتوصل به إلى تحصيل الاتصاف بذلك مما لا ينبغي أن يتكاسل في تحصيله ، وقرأ زيد بن علي { يقاتلون } بفتح التاء ، وقرئ يقتلون .