السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

قال الرازي : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها هو أن في السورة التي قبلها بين الخروج إلى الجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته بقوله تعالى : { إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي } [ الممتحنة : 1 ] وفي هذه السورة بين ما يحمل المؤمن ويحثه على الجهاد بقوله تعالى : { إن الله } أي : الذي له جميع صفات الكمال { يحب } أي : يفعل فعل المحب مع { الذين يقاتلون } أي : يوقعون القتال { في سبيله } أي : بسبب تسهيل طريقه الموصلة إلى رضاه . وقوله تعالى : { صفاً } حال ، أي : مصطفين حتى كأنهم في اتحاد المراد على قلب واحد كما كانوا في التساوي في الاصطفاف كالبدن الواحد { كأنهم } من شدة التراص والمساواة بالصدور والمناكب والثبات في المركز { بنيان } وزاد في التأكيد بقوله تعالى : { مرصوص } أي : ملزوق بعض إلى بعض ثابت كثبوت البناء .

وقال ابن عباس : يوضع الحجر على الحجر ، ثم يرص بأحجار صغار ، ثم يوضع اللبن عليه فيسميه أهل مكة المرصوص . وقال الرازي : يجوز أن يكون المعنى على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم ، حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وموالاة بعضهم بعضاً كالبنيان المرصوص قال القرطبي : استدل بعضهم بهذه الآية على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس ، لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة . قال المهدوي : وذلك غير مستقيم لما جاء في فضل الفارس من الأجر والغنيمة ، ولا يخرج الفرسان من معنى الآية لأن معناها الثبات ، ولهذا يحرم الخروج من الصف إن قاومناهم إلا متحرفاً لقتال ، كمن ينصرف ليكمن في موضع ويهجم ، أو ينصرف من مضيق ليتبعه العدو إلى متسع سهل للقتال ، أو متحيز إلى فئة يستنجد بها ولو بعيدة قليلة أو كثيرة ، فيجوز انصرافه لقوله تعالى : { إلا متحرفاً لقتال } [ الأنفال : 16 ] وتجوز المبارزة لكافر لم يطلبها بلا كره ، وندب لقوي أذن له الإمام أو نائبه لإقراره صلى الله عليه وسلم عليها ، وهي ظهور اثنين من الصفين للقتال ، من البروز وهو الظهور ، فإن طلبها كافر سنت للقوي المأذون له للأمر بها في خبر أبي داود ، ولأن تركها حينئذ إضعافاً لنا وتقوية لهم ، وإلا كرهت .