{ 6-7 } { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
يقول الله تعالى : { يوم يبعثهم الله } جميعا فيقومون من أجداثهم سريعا فيجازيهم بأعمالهم { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا } من خير وشر ، لأنه علم ذلك ، وكتبه في اللوح المحفوظ ، وأمر الملائكة الكرام الحفظة بكتابته ، هذا { و } العاملون قد نسوا ما عملوه ، والله أحصى ذلك .
{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } على الظواهر{[1009]} والسرائر ، والخبايا والخفايا .
وهي مهانة يوم يبعثهم الله جميعا . مهانة على رؤوس الجموع . وهو عذاب يقوم على حق وبيان لما عملوا . إن كانوا هم قد نسوه فإن الله أحصاه بعلمه الذي لا يند عنه شيء ، ولا يغيب عنه خاف : ( والله على كل شيء شهيد ) . .
وتلتقي صورة الرعاية والعناية ، بصورة الحرب والنكاية ، في علم الله واطلاعه ، وشهوده وحضوره . فهو شاهد حاضر للعون والرعاية ؛ وهو شاهد حاضر للحرب والنكاية . فليطمئن بحضوره وشهوده المؤمنون . وليحذر من حضوره وشهوده الكافرون !
يجوز أن يكون { يوم } ظرفاً متعلقاً بالكون المقدّر في خبر المبتدأ من { للكافرين عذاب مهين } [ المجادلة : 5 . ]
ويجوز أن يكون متعلقاً ب { مهين } ، ويجوز أن يكون منصوباً على المفعول به لفعل تقديره : أذكر تنويهاً بذلك اليوم وتهويلاً عليهم ، وهذا كثير في أسماء الزمان التي وقعت في القرآن . وقد تقدم في قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة } في سورة [ البقرة : 30 ] .
وضمير الجمع عائد إلى { الذين يحادون الله ورسوله } و { الذين من قبلهم } [ المجادلة : 5 ] . ولذلك أتى بلفظ الشمول وهو { جميعاً } حالاً من الضمير .
وقوله : { فينبئهم بما عملوا } تهديد بفضح نفاقهم يوم البعث . وفيه كناية عن الجزاء على أعمالهم .
وجملة { أحصاه الله ونسوه } في موضع الحال من ( ما عملوا ) .
والمقصود من الحال هو ما عطف عليها من قوله : { ونسوه } لأن ذلك محلّ العبرة . وبه تكون الحال مؤسسة لا مؤكدة لعاملها ، وهو « ينبئهم » ، أي علمه الله علماً مفصلاً من الآن ، وهم نسوه ، وذلك تسجيل عليهم بأنهم متهاونون بعظيم الأمر وذلك من الغرور ، أي نسوه في الدنيا بَلْهَ الآخرة فإذا أُنبئوا به عجبوا قال تعالى : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً } [ الكهف : 49 ] .
وجملة { والله على كل شيء شهيد } تذييل . والشهيد : العالم بالأمور المشاهدة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قوله: {يوم يبعثهم الله جميعا} الأولين والآخرين نزلت في المنافقين في أمر المناجاة. {فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه} يقول: حفظ الله أعمالهم الخبيثة، ونسوا هم أعمالهم.
{والله على كل شيء} من أعمالهم {شهيد} يعني شاهده...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وللكافرين عذاب معين في يوم يبعثهم الله جميعا، وذلك" يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّهُ جَمِيعا "من قبورهم لموقف القيامة، "فَيُنَبّئُهُمْ" الله "بِمَا عَمِلُوا أحْصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ" يقول تعالى ذكره: أحصى الله ما عملوا، فعدّه عليهم، وأثبته وحفظه، ونسيه عاملوه.
"والله على كلّ شيء شهيد" يقول: وَاللّهُ جلّ ثناؤه على كُلّ شَيْء عملوه وغير ذلك من أمر خلقه شهيد، يعني شاهد يعلمه ويحيط به فلا يغرب عنه شيء منه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
خرج هذا على الوعيد. وفيه دلالة رسالته؛ إذ أخبر أن الله تعالى، يحصي ذلك عليهم، وأنهم إن نسوا فلم يتهيأ لهم أن ينكروا عليه أنهم لم ينسوا، دل أنه بالله علم ذلك.
وقوله تعالى: {والله على كل شيء شهيد} أي على كل شيء من الإحصاء والحفظ وغير ذلك شهيد.
ذكر تعالى ما به يتكامل هذا الوعيد فقال: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد}.
وفي قوله: {جميعا} قولان: (أحدهما) كلهم لا يترك منهم أحد غير مبعوث (والثاني) مجتمعين في حال واحدة.
ثم قال: {فينبئهم بما عملوا} تجليلا لهم، وتوبيخا وتشهيرا لحالهم، الذي يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار، لما يلحقهم من الخزي على رؤوس الإشهاد وقوله: {أحصاه الله} أي أحاط بجميع أحوال تلك الأعمال من الكمية والكيفية، والزمان والمكان لأنه تعالى عالم بالجزئيات، ثم قال: {ونسوه} لأنهم استحقروها وتهاونوا بها فلا جرم نسوها: {والله على كل شيء شهيد} أي مشاهد لا يخفى عليه شيء البتة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يوم يبعثهم الله} أي يكون ذلك في وقت إعادة الملك الأعظم للكافرين المصرح بهم والمؤمنين المشار إليهم أحياء كما كانوا {جميعاً} في حال كونهم مجتمعين في البعث. ولما كان لا أوجع من التبكيت بحضرة بعض الناس فكيف إذا كان بحضرتهم كلهم فكيف إذا كان بمرأى من جميع الخلائق ومسمع، سبب عن ذلك وعقب قوله: {فينبئهم} أي يخبرهم إخباراً عظيماً مستقصى {بما عملوا} إخزاء لهم وإقامة للحجة عليهم. ولما كان ضبط ذلك أمراً عظيماً، استأنف قوله بياناً لهوانه عليه: {أحصاه الله} أي أحاط به عدداً كمّاً وكيفاً وزماناً ومكاناً بما له من صفات الجلال والجمال. ولما ذكر إحصاءه له، فكان ربما ظن أنه مما يمكن في العادة إحصاؤه، نفى ذلك بقوله: {ونسوه} أي كلهم مجتمعين لخروجه عن الحد في الكثرة فكيف بكل واحد على انفراده ونسوا ما فيه من المعاصي تهاوناً بها، وذلك عين التهاون بالله والاجتراء عليه.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وإذا كان الناس ينسون أعمالهم ولا يتذكرونها في أغلب الأحيان، فإن الله سبحانه يحصي عليهم أنفاسهم، ويسجل لهم أعمالهم، وينبئهم بما عملوا متى حل موعد الحساب والجزاء، وذلك قوله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم7}...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} لأنهم كانوا في غفلةٍ مطبقةٍ على عقولهم ومشاعرهم لاستغراقهم في لذاتهم وشهواتهم وذاتياتهم المعقدة، ما جعلهم يتجاوزون أخطاءهم وجرائمهم بسرعةٍ من دون أن يتوقفوا أمامها بدقةٍ ومسؤوليةٍ.