نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (6)

ولما ذكر عذابهم ، ذكر{[63170]} وقته على وجه مقرر لما مضى من شمول علمه وكمال قدرته فقال : { يوم يبعثهم الله } أي يكون ذلك في وقت إعادة الملك الأعظم للكافرين المصرح بهم والمؤمنين المشار إليهم أحياء كما كانوا { جميعاً } {[63171]}في حال كونهم مجتمعين في البعث . ولما كان لا أوجع من التبكيت بحضرة بعض{[63172]} الناس فكيف إذا كان بحضرتهم كلهم فكيف إذا كان بمرأى من جميع الخلائق ومسمع ، سبب عن ذلك وعقب قوله : { فينبئهم } أي{[63173]} يخبرهم إخباراً عظيماً مستقصى { بما عملوا } إخزاء لهم وإقامة للحجة عليهم .

ولما كان ضبط ذلك أمراً عظيماً ، استأنف قوله بياناً لهوانه عليه : { أحصاه الله } أي أحاط به عدداً كمّاً وكيفاً وزماناً ومكاناً بما له من صفات الجلال والجمال . ولما ذكر إحصاءه له ، فكان ربما {[63174]}ظن أنه{[63175]} مما يمكن في العادة إحصاؤه ، نفى ذلك بقوله : { ونسوه } أي كلهم مجتمعين لخروجه عن الحد في الكثرة فكيف بكل واحد على انفراده ونسوا ما فيه من المعاصي تهاوناً بها ، وذلك عين التهاون بالله والاجتراء عليه ، قال القشيري : إذا حوسب أحد{[63176]} في القيامة على عمل عمله تصور{[63177]} له ما فعله ثم يذكر حتى كأنه في تلك الحالة قام من بساط الزلة فيقع عليه من الخجل والندم ما ينسى في جنبه كل عقوبة ، فسبيل المسلم أن {[63178]}لا يخالف أمر مولاه{[63179]} ولا يحوم حول مخالفة أمره{[63180]} ، فإن جرى المقدور ووقع في هجنة التقصير فليكن من زلته على بال ، وليتضرع إلى الله بحسن الابتهال .

ولما كان التقدير بما أرشد إليه العطف على غير مذكور : فالله بكل شيء من ذلك وغيره عليم ، عطف عليه قوله : { والله } أي بما له من القدرة الشاملة والعلم المحيط { على كل شيء } على الإطلاق من غير مثنوية أصلاً { شهيد * } أي حفيظ حاضر لا يغيب ، ورقيب لا يغفل ، حفظه له ورقبه وحضوره إياه مستعل{[63181]} عليه قاهر له بإحاطة قهره بكل شيء ليمكن حفظه له على أتم وجه يريده .

وقال الإمام أبو جعفر ابن{[63182]} الزبير : لما نزه سبحانه نفسه عن تقول الملحدين ، وأعلم أن العالم بأسره ينزهه عن ذلك بألسنة أحوالهم لشهادة العوالم {[63183]}على أنفسها{[63184]} بافتقارها لحكيم أوجدها ، لا يمكن أن{[63185]} يشبه شيئاً منها بل يتنزه{[63186]} من أوصافها ويتقدس{[63187]} عن سماتها ، فقال :{ سبح لله ما في السماوات والأرض }[ الحديد : 1 ] ومضت أي تعرف بعظيم سلطانه وعليّ ملكه ، ثم انصرف الخطاب إلى عباده في قوله :

{ آمنوا بالله ورسوله }[ الحديد : 7 ] إلى ما بعد ذلك من الآي ، وكان ذلك ضرب من الالتفات ، والواقع هنا{[63188]} منه أشبه بقوله سبحانه في سورة البقرة

{ وإذ قال ربك للملائكة }[ البقرة : 30 ] فإنه بعد تفصيل حال المتقين وحال من جعل{[63189]} في طرف منهم وحال من يشبه بظاهره بالمتقين وهو معدود في شرار الكافرين ، فلما تم هذا النمط عدل بعده إلى دعاء الخلق إلى عبادة الله وتوحيده

{ يا أيها الناس اعبدوا ربكم }[ البقرة : 21 ] ثم عدل بالكلام جملة وصرف الخطاب إلى تعريف نبيه عليه الصلاة والسلام بين أيدي الخلق

{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة }[ البقرة : 30 ] فجاء ضرباً من الالتفات فكذا{[63190]} الواقع هنا بين سبحانه حال مشركي العرب وقبح عنادهم{[63191]} وقرعهم ووبخهم في عدة سور غالب آيها جارٍ على ذلك {[63192]}ومجدد له أولها{[63193]} سورة " ص " كما نبه عليه في سورة القمر ، وإلى الغاية التي ذكرت فيها إلى أن وردت سورة القمر منبئة بقطع دابرهم ، وانجر فيها {[63194]}الإعذار المنبه{[63195]} عليه وكذا في سورة الرحمن بعدها ، ثم أعقب ذلك بالتعريف بحال النزل الأخراوي في سورة الواقعة مع زيادة تقريع وتوبيخ على مرتكبات استدعت تسبيحه تعالى وتقديسه عن شنيع افترائهم فأتبعت بسورة{[63196]} الحديد ، ثم صرف فيها الخطاب إلى المؤمنين ، واستمر ذلك إلى آخر السورة ، جرت سورة المجادلة على هذا القصد مصروفاً{[63197]} خطابها إلى نازلة تشوف المؤمنين إلى تعرف حكمها ، وهو الظهار المبين أمره فيها ، فلم يعد في الكلام بعد كما كان قد صرف إليه في قوله { آمنوا بالله ورسوله } بأكثر من التعرض لبيان حكم يقع منهم ، ثم إن السور الواردة بعد إلى آخر الكتاب استمر معظمها على هذا الغرض لانقضاء{[63198]} ما قصد من التعريف بأخبار القرون السالفة والأمم الماضية ، وتقريع من عاند وتوبيخه ، وذكر مثال الخلق واستقرارهم الأخراوي ، وذكر تفاصيل التكاليف والجزاء عليها من الثواب والعقاب ، وما به استقامة {[63199]}من استجاب وآمن{[63200]} وما يجب أن يلتزمه على درجات التكاليف وتأكيدها ، فلما{[63201]} كمل ذلك صرف الكلام إلى ما يخص المؤمنين في أحكامهم وتعريفهم{[63202]} بما فيه من خلاصهم ، فمعظم آي سورة بعد هذا شأنها ، وإن اتجر غيرها فلا استدعاء موجب وهو الأقل كما بينا - انتهى .


[63170]:- زيد من م.
[63171]:-زيد في الأصل أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63172]:- سقط من م.
[63173]:- زيد من ظ وم.
[63174]:- من ظ وم، وفي الأصل: يظن إنما.
[63175]:- من ظ وم، وفي الأصل: يظن إنما.
[63176]:- من ظ وم، وفي الأصل: أخذ.
[63177]:- من ظ وم، وفي الأصل: دور-كذا.
[63178]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[63179]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[63180]:- في م: أمر مولاه.
[63181]:- من م، وفي الأصل وظ: مستقل.
[63182]:- زيد من م.
[63183]:- من ظ وم، وفي الأصل بأنفسها.
[63184]:- من ظ وم، وفي الأصل بأنفسها.
[63185]:- زيد من ظ وم.
[63186]:- من ظ وم، وفي الأصل: تنزل.
[63187]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدس.
[63188]:- زيد من م.
[63189]:- من ظ و م، وفي الأصل: حصل.
[63190]:- من ظ وم، وفي الأصل: فكذا.
[63191]:- من ظ وم، وفي الأصل: عناده.
[63192]:- من ظ وم، وفي الأصل: بحمد الله أوله-كذا.
[63193]:- من ظ وم، وفي الأصل: بحمد الله أوله-كذا.
[63194]:- من م، وفي الأصل وظ: الأعداد المنبهة.
[63195]:- من م، وفي الأصل وظ: الأعداد المنبهة.
[63196]:- من م، وفي الأصل وظ: سورة.
[63197]:- من ظ وم، وفي الأصل: مصروف.
[63198]:- زيد في الأصل: معظم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63199]:- من ظ وم، وفي الأصل: المخبات-كذا
[63200]:-من ظ وم، وفي الأصل: المخبات-كذا
[63201]:- من ظ وم، وفي الأصل: ولما.
[63202]:- من ظ وم، وفي الأصل: تقريعهم.