{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } يحتمل أن المراد بثيابه ، أعماله كلها ، وبتطهيرها تخليصها والنصح بها ، وإيقاعها على أكمل الوجوه ، وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات ، والمنقصات من شر ورياء ، [ ونفاق ] ، وعجب ، وتكبر ، وغفلة ، وغير ذلك ، مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته .
ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة ، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة ، التي قال كثير من العلماء : إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة .
ويحتمل أن المراد بثيابه ، الثياب المعروفة ، وأنه مأمور بتطهيرها عن [ جميع ] النجاسات ، في جميع الأوقات ، خصوصا في الدخول في الصلوات ، وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر ، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن .
ويوجهه إلى التطهر : ( وثيابك فطهر ) . . وطهارة الثياب كناية في الاستعمال العربي عن طهارة القلب والخلق والعمل . . طهارة الذات التي تحتويها الثياب ، وكل ما يلم بها أو يمسها . . والطهارة هي الحالة المناسبة للتلقي من الملأ الأعلى . كما أنها ألصق شيء بطبيعة هذه الرسالة . وهي بعد هذا وذلك ضرورية لملابسة الإنذاروالتبليغ ، ومزاولة الدعوة في وسط التيارات والأهواء والمداخل والدروب ؛ وما يصاحب هذا ويلابسه من أدران ومقاذر وأخلاط وشوائب ، تحتاج من الداعية إلى الطهارة الكاملة كي يملك استنقاذ الملوثين دون أن يتلوث ، وملابسة المدنسين من غير أن يتدنس . . وهي لفتة دقيقة عميقة إلى ملابسات الرسالة والدعوة والقيام على هذا الأمر بين شتى الأوساط ، وشتى البيئات ، وشتى الظروف ، وشتى القلوب !
وقوله : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال الأجلح الكندي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }
قال : لا تلبسها{[29472]} على معصية ولا على غَدْرَة . ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
فَإني بحمد الله لا ثوبَ فَاجر *** لبستُ ولا من غَدْرَة أتَقَنَّعُ{[29473]}
وقال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس [ في هذه الآية ]{[29474]} { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : في كلام العرب : نَقِي الثياب . وفي رواية بهذا الإسناد : فطهر من الذنوب . وكذا قال إبراهيم ، الشعبي ، وعطاء .
وقال الثوري ، عن رجل ، عن عطاء ، عن ابن عباس في هذه الآية : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : من الإثم . وكذا قال إبراهيم النخعي .
وقال{[29475]} مجاهد : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : نفسك ، ليس ثيابه . وفي رواية عنه : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } عملك فأصلح ، وكذا قال أبو رَزِين . وقال في رواية أخرى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا .
وقال قتادة : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : طهرها من المعاصي ، وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لَمُدنَس{[29476]} الثياب . وإذا وفى وأصلح : إنه لمطهر الثياب .
وقال عكرمة ، والضحاك : لا تلبسها على معصية .
وقال الشاعر{[29477]}
إذا المرءُ لم يَدْنَس منَ اللؤم عِرْضُه *** فَكُلّ ردَاء يَرْتَديه جَميلُ
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [ يعني ]{[29478]} لا تك ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية .
وقال محمد بن سيرين : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : اغسلها بالماء .
وقال ابن زيد : كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره الله أن يتطهر ، وأن يطهر ثيابه .
وهذا القول اختاره ابن جرير ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب ، فإن العرب تطلق الثياب عليه ، كما قال امرؤ القيس :
أفاطمَ مَهلا بعض هَذا التَدَلُّل *** وَإن كُنت قَد أزْمَعْت هَجْري فأجْمِلي
وَإن تَكُ قَد سَاءتك مني خَليقَةٌ *** فَسُلّي ثِيَابي مِن ثيابك تَنْسُلِ{[29479]}
وقال سعيد بن جبير : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وقلبك ونيتك فطهر .
واختلف المتأولون في معنى قوله { وثيابك فطهر } ، فقال ابن سيرين وابن زيد بن أسلم والشافعي وجماعة : هو أمر بتطهير الثياب حقيقة ، وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية إلى وجوب غسل النجاسات من الثياب ، وقال الجمهور : هذه الألفاظ استعارة في تنقية الأفعال والنفس والعرض ، وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب ، ويقال للفاجر دنس الثوب ، ومنه قول الشاعر [ غيلان بن سلمة الثقفي ] : [ الطويل ]
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر*** لبست ولا من خزية أتقنع{[11410]}
لاهم إن عامر ابن جهم*** أوذم حجّاً في ثياب دسم{[11411]}
أي دنسه . وقال ابن عباس والضحاك وغيره ، المعنى لا تلبسها على غدرة ولا فجور ، وقال ابن عباس : المعنى لا تلبسها من مكسب خبيث ، وقال النخعي : المعنى طهرها من الذنوب ، وهذا كله معنى قريب بعضه من بعض ، وقال طاوس : المعنى قصرها وشمرها ، فذلك طهرة للثياب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.