{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال ابنُ زيدٍ وجماعة : هو أمْرٌ بتطهيرِ الثيابِ حَقِيقةً ، وذَهَبَ الشافعيُّ وغيرُه من هذه الآيةِ إلى : وجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثيابِ ، وقالَ الجُمْهُورُ : هَذِه الألْفَاظُ اسْتِعَارَةٌ في تنقيةِ الأفْعَالِ والنَّفْسِ ، والعْرِضِ ، وهذا كما تقول : فلانٌ طَاهِرُ الثوبِ ، ويقال للفَاجِر : دَنِسُ الثَّوْبِ ، قال ابن العربي في «أحكامه » : والذي يقول إنها الثيابُ المَجَازِيَّة أكْثَرَ ، وكثيراً ما تستعملُه العَرَبُ ، قال أبو كَبْشَةَ :
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طهارى نَقِيَّةٌ *** وَأَوْجُهُهُمْ عِنْدَ المَشَاهِدِ غُرَّانُ
يعني : بطهارةِ ثيابهم وسلامَتَهم من الدَّنَاءَاتِ ، وقال غَيْلاَنُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ :
فَإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ ثَوْبَ فَاجِرٍ *** لَبِسْتُ وَلاَ مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
ولَيْسَ يمتنع أن تُحْمَلَ الآيةُ على عمومِ المرادِ فيها بالحقيقةِ والمجازِ على ما بيَّناه في أصولِ الفقه ، وإذا حملنَاها على الثيابِ المعلومَة ؛ فهي تتناول معنيين : أحدهما : تَقْصِيرُ الأَذْيَالِ ؛ فإنَّها إذا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ ، وتَقْصِيرُ الذيلِ أَنْقى لثَوْبِه وأتْقَى لربِّه ، المَعْنَى الثَّاني : غَسْلُها من النَّجاسَةِ فهو ظَاهِرٌ منها صحيحٌ فيها ، انتهى . قال الشيخ أبو الحسن الشاذليُّ رضي اللَّه عنه : رأَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ ، فقالَ : يَا عَلِيُّ ، طَهِّرْ ثِيَابَكَ مِنَ الدَّنَسِ ، تَحْظَ بمَدَدِ اللَّهِ في كُلِّ نَفَسٍ ، فَقُلْتُ : وَمَا ثِيَابي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ كَسَاكَ حُلَّة المَعْرِفَةِ ، ثُمَّ حُلَّةَ المَحَبَّةِ ، ثُمَّ حلةَ التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ حُلَّةَ الإيمَانِ ، ثُمَّ حُلَّةَ الإسْلاَمِ ، فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ صَغُرَ لديْهِ كُلُّ شَيْءٍ ، ومَنْ أَحَبَّ اللَّهَ هَانَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ ، وَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ ، لَمْ يُشْرِكْ به شَيْئاً ، ومَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أَمِنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَنْ أَسْلَمَ لِلَّهِ قَلَّمَا يَعْصِيهِ ، وإنْ عَصَاهُ ، اعتذر إلَيْهِ ، وَإذَا اعتذر إليه ، قَبِلَ عُذْرَه ، قال : فَفَهِمْتُ حِينَئِذٍ معنى قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } انتهى من «التنوير » لابن عطاء اللَّه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.