البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ} (4)

{ وثيابك فطهر } : الظاهر أنه أمر بتطهير الثياب من النجاسات ، لأن طهارة الثياب شرط في صحة الصلاة ، ويقبح أن تكون ثياب المؤمن نجسة ، والقول بأنها الثياب حقيقة هو قول ابن سيرين وابن زيد والشافعي ، ومن هذه الآية ذهب الشافعي إلى وجوب غسل النجاسة من ثياب المصلي .

وقيل : تطهيرها : تقصيرها ، ومخالفة العرب في تطويل الثياب وجرهم الذيول على سبيل الفخر والتكبر ، قال الشاعر :

ثم راحوا عبق المسك بهم *** يلحفون الأرض هداب الأزر

ولا يؤمن من أصابتها النجاسة وفي الحديث : « أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من ذلك ففي النار » وذهب الجمهور إلى أن الثياب هنا مجاز .

فقال ابن عباس والضحاك : تطهيرها أن لا تكون تتلبس بالقذر .

وقال ابن عباس وابن جبير أيضاً : كنى بالثياب عن القلب ، كما قال امرؤ القيس :

فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي . . .

أي قلبي من قلبك وعلى الطهارة من القذر ، وأنشد قول غيلان بن سلمة الثقفي :

إني بحمد الله لا ثوب غادر *** لبست ولا من خزية أتقنع

وقيل : كناية عن طهارة العمل ، المعنى : وعملك فأصلح ، قاله مجاهد وابن زيد .

وقال ابن زيد : إذا كان الرجل خبيث العمل قالوا : فلان خبيث الثياب ؛ وإذا كان حسن العمل قالوا : فلان طاهر الثياب ، ونحو هذا عن السدي ، ومنه قول الشاعر :

لا هم إن عامر بن جهم *** أو ذم حجا في ثياب دسم

أي : دنسة بالمعاصي ، وقيل : كنى عن النفس بالثياب ، قاله ابن عباس .

قال الشاعر :

فشككت بالرمح الطويل ثيابه . . .

وقال آخر :

ثياب بني عوف طهارى نقية *** وأوجههم بيض سافر غران

أي : أنفسهم .

وقيل : كنى بها عن الجسم .

قالت ليلى وقد ذكرت إبلاً :

رموها بأثواب خفاف فلا نرى *** لها شبهاً إلا النعام المنفرا

أي : ركبوها فرموها بأنفسهم .

وقيل : كناية عن الأهل ، قال تعالى : { هن لباس لكم } والتطهر فيهن اختيار المؤمنات العفائف .

وقيل : وطئهن في القبل لا في الدبر ، في الطهر لا في الحيض ، حكاه ابن بحر .

وقيل : كناية عن الخلق ، أي وخلقك فحسن ، قاله الحسن والقرطبي ، ومنه قوله :

ويحيى ما يلائم سوء خلق *** ويحيى طاهر الأثواب حر

أي : حسن الأخلاق .