فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ} (4)

{ وثيابك فطهر } المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي ، أمره الله سبحانه بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات وإزالة ما وقع فيها منها ، وقال مجاهد وابن زيد وأبو رزين أي عملك فأصلح وقال قتادة نفسك فطهر من الذنب ، والثياب عبارة عن النفس ، وقال سعيد بن جبير قلبك فطهر ، وقال الحسن والقرطبي أخلاقك فطهر ، لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه .

وقال الزجاج المعنى وثيابك فقصر ، لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسات إذا انجر على الأرض ، وبه قال طاوس ، وذلك لأن العرب كانت عادتهم تطويل الثياب وجر الذيول ولا يؤمن معه إصابة النجاسة ، وفي الثوب الطويل من الخيلاء والكبر والفخر ما ليس في الثوب القصير ، فنهى عن تطويل الثوب وأمر بتقصيره لذلك .

وقال أبيّ ابن كعب معناه لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم ، البسها وأنت بر طاهر ، وقال ابن عباس أي لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب باطل ، وعنه قال فطهر من الإثم قال هي في كلام العرب نقي الثياب ، وعنه قال من الغدر لا تكن غدارا ، وفي لفظ لا تلبسها على غدرة ، والأول أولى لأنه المعنى الحقيقي ، وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينة ما يدل على أنه المراد عند الإطلاق ، وليس في مثل هذا الأصل أعني الحمل على الحقيقة عند الإطلاق خلاف .

وفي الآية دليل على وجوب طهارة الثياب في الصلاة .

قال الرازي إذا حملنا التطهير على حقيقته ففي الآية ثلاث احتمالات ( الأول ) قال الشافعي المقصود من الآية الإعلام بأن الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس ( وثانيها ) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كان المشركون لا يصونون ثيابهم عن النجاسات فأمره الله أن يصون ثيابه عنها ( وثالثها ) روي أنهم ألقوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قذرا فقيل له وثيابك فطهر عن تلك النجاسات والقاذورات .