فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ} (4)

{ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ } المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي ، أمره الله سبحانه بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات ، وإزالة ما وقع فيها منها . وقيل : المراد بالثياب العمل . وقيل : القلب . وقيل : النفس . وقيل : الجسم . وقيل : الأهل . وقيل : الدين . وقيل : الأخلاق . قال مجاهد وابن زيد وأبو رزين : أي عملك فأصلح . وقال قتادة : نفسك فطهّر من الذنب ، والثياب عبارة عن النفس . وقال سعيد بن جبير : قلبك فطهّر ، ومن هذا قول امرئ القيس :

فسلي ثيابي من ثيابك تنسل *** . . .

وقال عكرمة : المعنى ألبسها على غير غدر وغير فجرة . وقال : أما سمعت قول الشاعر :

وإني بحمد الله لا ثوب فاجر *** لبست ولا من غدرة أتقنع

والشاعر هو غيلان بن سلمة الثقفي ، ومن إطلاق الثياب على النفس قول عنترة :

فشككت بالرمح الطويل ثيابه *** ليس الكريم على القنا بمحرّم

وقول الآخر :

ثياب بني عوف طهارى نقية *** . . .

وقال الحسن والقرظي : إن المعنى وأخلاقك فطهّر لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه ، ومنه قول الشاعر :

ويحيى لا يلام بسوء خلق *** ويحيى طاهر الأثواب حر

وقال الزجاج : المعنى وثيابك فقصر ، لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسات إذا انجرّ على الأرض ، وبه قال طاوس ، والأوّل أولى لأنه المعنى الحقيقي . وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينة ما يدلّ على أنه المراد عند الإطلاق ، وليس في مثل هذا الأصل : أعني الحمل على الحقيقة عند الإطلاق خلاف ، وفي الآية دليل على وجوب طهارة الثياب في الصلاة .

/خ30