{ وثيابك فطهر } أي : من النجاسات لأنّ طهارة الثياب شرط في صحة الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى والأحبّ في غير الصلاة ، وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثاً . قال الرازي : إذا حملنا التطهير على حقيقته ففي الآية ثلاث احتمالات :
الأوّل : قال الشافعي : المقصود من الآية الإعلام بأنّ الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس .
وثانيها : روي أنهم ألقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاء شاة فشق عليه ، فرجع إلى بيته حزيناً وتدثر في ثيابه صلى الله عليه وسلم فقيل : { يا أيها المدّثر قم فأنذر } ولا تمنعك تلك الشناعة عن الإنذار { وربك فكبر } على أن لا يتنقم منهم { وثيابك فطهر } عن تلك النجاسات والقاذورات .
وثالثها : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان المشركون لا يصونون ثيابهم عن النجاسات ، فأمره الله تعالى أن يصون ثيابه عنها .
وقيل : هو أمر بتقصيرها ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول ، وذلك مما لا يؤمن معه إصابة النجاسة . قال صلى الله عليه وسلم «إزار المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان أسفل من ذلك ففي النار » فجعل صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب وتوعد على ما تحته بالنار ، فما بالُ رجال يرسلون أذيالهم ويطيلون ثيابهم ، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم وهذه حالة الكبر وقال صلى الله عليه وسلم «لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء » وفي رواية «من جرّ إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة » . قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله إنّ أحد شقي إزاري يسترخي إلا أني أتعاهد ذلك منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لست ممن يصنعه خيلاء » .
وقيل : هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال ، ويستهجن من العادات . يقال فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق ، وفلان دنس الثياب للغادر وذلك لأنّ الثوب يلابس الإنسان ويشتمل عليه فكني به عنه ألا ترى إلى قولهم : أعجبني زيد ثوبه كما تقول : أعجبني زيد عقله وخلقه ، ويقولون : المجد في ثوبه والكرم تحت حلته ، ولأنّ الغالب أنّ من طهر باطنه ونقاه عني بتطهير الظاهر وتنقيته ، وأبى إلا اجتناب الخبيث وإيثار الطهر في كل شيء . وقال عكرمة : سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : { وثيابك فطهر } فقال : لا تلبسها على معصية ولا على غدر ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر *** لبست ولا من عنده أتقنع
والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء طاهر الثياب ، ويقولون لمن غدر إنه لدنس الثياب . وقال أبيّ بن كعب : لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم البسها وأنت برّ طاهر . وقال الحسن والقرطبي : وخلقك فحسن . وقال سعيد بن جبير : وقلبك وبيتك فطهر . وقال مجاهد وابن زيد : وعملك فأصلح . وروى منصور عن أبي رزين قال : يقول : وعملك أصلح . قال : وإذا كان الرجل خبيث العمل قالوا : إنّ فلاناً نجس الثياب . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات عليهما يعني عمله الصالح والطالح » ذكره الماوردي . وقيل : المراد بالثياب الأهل أي : طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب والعرب تسمي الأهل ثوباً ولباساً وإزاراً . قال تعالى : { هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ } [ البقرة : 187 ] وقيل : المراد به الدين أي : ودينك فطهر جاء في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال : «رأيت الناس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجرّه قالوا : يا رسول الله ، فما أولت ذلك ؟ قال : الدين » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.