الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ} (4)

{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : عكرمة سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال : معناه لا يلبسها على معصية ولا على غدرة ثم قال : قول غيلان بن سلمة الثقفي :

إني بحمد لله لا ثوب فاجر *** لبست ولا من غدرة اتقنع

والعرب تقول للرجل إذا وفى وصدق : إنه طاهر الثياب ، وإذا غدر ونكث : إنه لدنس الثياب .

وقال أبي بن كعب : لا يلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على أكم البسها وأنت طاهر ، وقال قتادة وإبراهيم والضحاك والشعبي والزهري ويمان : وثيابك فطهّر من الذنب والإثم والمعصية ، وقال أهل المعاني : أراد طهّر نفسك عن الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه ، كقول عنترة :

فشككت بالرمح الأصم ثيابه *** ليس الكريم على القنا بمحرم

أي نفسه ، وقال آخر :

ثياب بني عوف طهارى نقية *** وأوجههم بيض المسافر غران

أي أنفس بني عوف .

وقال السدي : يقال للرجل إذا كان صالحاً : إنّه لطاهر الثياب ، وإذا كان فاجراً : إنه لخبيث الثياب . قال الشاعر :

لا هم إن عامر بن جهم *** أو ذم حجا في ثياب دسم

يعني متدنس بالخطايا .

أبو زوق عن الضحاك : وعملك فأصلح ، وهي رواية فضيل بن عياض عن منصور عن مجاهد .

سعيد بن جبير : وقلبك وبيتك فطهّر ، ودليل هذا التأويل قول امرؤ القيس :

وإن تك قد ساءتك منّي خليقة *** فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

أي قلبي من قلبك .

وقال الحسن والمقرظي : وخلقك فحسّن ، ودليلهما قول الشاعر :

ويحيى لا يلام بسوء خلق *** ويحيى طاهر الأثواب حر

أي حسن الأخلاق .

عطية عن ابن عباس : لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائل ، وقال ابن زيد وابن شريك نقِّ ثيابك واغسلها بالماء وطهّرها من النجاسة وذلك أنّ المشركين كانوا لا يتطهرون فأمره أن يطهّر ثيابه .

قال الفراء : وسمعت بعضهم يقول : طهّرها بالأشنان .

وقال طاوس : وثيابك فقصّر وشمّر ، لأن تقصير الثياب طهرُة لها ، وقيل : وأهلك فطهّره من الخطايا بالوعظ والتأديب ؛ والعرب تسمّي الأهّل ثوباً ولباساً وإزاراً ، وقد مضى ذكره . يحيى ابن معاد : طهّر قلبك من مرض الخطايا وأشغال الدنيا تجد حلاوة العبادة ، فإن من لم يصُن الجسم لا يجد شهوة الطعام ، وقيل : طهّر قلبك عما سوى الله .