{ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } أي : الأعمال السيئة وجزاءها ، لأنها تسوء صاحبها . { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد ، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم ، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن . { وَذَلِكَ } أي : زوال المحذور بوقاية السيئات ، وحصول المحبوب بحصول الرحمة ، { هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي لا فوز مثله ، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه .
وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم ، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى ، التي يحب من عباده التوسل بها إليه ، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه ، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة ، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي ، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم .
وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة ، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه ، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال ، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه .
وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة ، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها ، واجتهدوا اجتهاد المحبين ، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه ، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم ، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله ، واجتهدوا في صلاح أحوالهم ، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته ، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه .
وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه ، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده ، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه ، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه ، وجزم بأن الله أراده ، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص ، الدال عليه اللفظ .
والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران :
أحدهما : معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه .
والثاني : علمه بأن الله بكل شيء عليم ، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه .
وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني . وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء ، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا ، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير ، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا ، كثير من هذا من به الله علينا .
وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة ، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين ، فليس لنا إلا التعلق بكرمه ، والتوسل بإحسانه ، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات ، وفي جميع اللحظات ، ونسأله من فضله ، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته ، إنه الكريم الوهاب ، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها .
وتضمن ذلك ، أن المقارن من زوج وولد وصاحب ، يسعد بقرينه ، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له ، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، وقد يقال : إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله : { وَمَنْ صَلَحَ } فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم .
( وقهم السيئات . ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته . وذلك هو الفوز العظيم ) . .
وهذه الدعوة - بعد الدعاء بإدخالهم جنات عدن - لفتة إلى الركيزة الأولى في الموقف العصيب . فالسيئات هي التي توبق أصحابها في الآخرة ، وتوردهم مورد التهلكة . فإذا وقى الله عباده المؤمنين منها وقاهم نتائجها وعواقبها . وكانت هذه هي الرحمة في ذلك الموقف . وكانت كذلك أولى خطوات السعادة . ( وذلك هو الفوز العظيم ) . . فمجرد الوقاية من السيئات هو أمر عظيم !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقِهِمُ السّيّئَاتِ وَمَن تَقِ السّيّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
يقول تعالى ذكره بقوله مخبرا عن قيل ملائكته : وقِهم : اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم ، يقولون : لا تؤاخذهم بذلك ، فتعذّبهم به وَمَنْ تَقِ السّيّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ يقول : ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك يوم القيامة ، فقد رحمته ، فنجيه من عذابك وذَلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ لأنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وذلك لا شك هو الفوز العظيم . وبنحو الذي قلنا في معنى السيئات قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقِهِمُ السّيّئاتِ : أي العذاب .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معمر بن بشير ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة ، عن مطرف ، قال : وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة ، وأغشّ العباد للعباد الشياطين ، وتلا : الّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ . . . الاَية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال مطرف : وجدنا أغشّ عباد الله لعباد الله الشياطين ، ووجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.